وصية الامام الباقرعليه السلام إلى سعد الخير

اسم النشيد:: وصية الامام الباقرعليه السلام إلى سعد الخير

اسم المنشد : القارئ عبدالرضا العبد الرؤوف

اسم التصنيف:

عدد الزوار : 243

تاريخ الاضافة: 2025-10-28 21:23:22

مشاركة الملف التعريفي:



وصية الامام الباقرعليه السلام إلى سعد الخير

  1. . وصيّته عليه السلام لسعد الخير

بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم

أمَّا بَعدُ؛ فإنِّي أُوصيكَ بِتَقوى اللَّهِ، فَإنَّ فيها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ، والغَنِيمةَ في المُنْقَلَبِ، إنَّ اللَّهَ عزّوجلّ يَقِي بالتَّقوَى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقْلُهُ، وَيُجْلِي بالتَّقوى عَنهُ عمَاهُ وجَهْلَهُ، وبالتَّقْوى نجَا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ في السَّفينَةِ، وصالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ من الصَّاعِقَةِ، وبالتَّقوى فَازَ الصَّابِرونَ، ونجَتْ تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ، وَلَهُم ‏إخوانٌ ‏على تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ، نبَذُوا طُغيانَهُمْ مِنَ الإيرادِ بالشَّهوَاتِ لِمَا بَلَغهُم في الكتابِ مِنَ المَثُلاتِ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم، وَهُو أهلُ الحَمدِ وذَمُّوا أنفُسَهُم على ما فرَّطُوا، وهُم أهلُ الذَّمِّ.

وعلِمُوا أنَّ اللَّهَ تبارَكَ وَتَعالى الحَلِيمُ العَلِيمُ، إنَّما غَضَبُهُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنهُ رِضاهُ، وإنَّما يَمْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنهُ عَطاهُ، وإنَّما يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنهُ هُدَاهُ، ثُمَّ أمْكَنَ أهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إلى ذلِكَ بصَوْت رفِيعٍ لَمْ يَنقَطِعْ، وَلَمْ يَمْنَعْ دُعاءَ عِبادِهِ، فلَعَنَ اللَّهُ «الَّذينَ يكْتُمونَ ما أنزَلَ اللَّهُ»[1]، و«كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»[2]، فسَبَقَتْ قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً، فَلَيسَ يَبْتَدِئُ العِبادَ بالغَضَبِ قَبلَ أنْ يُغْضِبوهُ، وذلِكَ مِن عِلْمِ اليَقينِ وعِلْمِ التَّقوَى.

وَكُلُّ أمَّةٍ قَد رَفَعَ اللَّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حِينَ نَبَذُوهُ، ووَلّاهُمْ عَدُوَّهُم حِينَ تَوَلَّوهُ، وَكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ أقاموا حُرُوفَهُ، وَحَرَّفوا حُدودَهُ، فَهُم يَرْوونَه وَلا يَرْعَوْنَهُ، والجُهَّالُ يُعْجِبهم حِفْظُهم للرِّوايَةِ، والعُلماءُ يَحْزُنُهم تَرْكُهم للرِّعايَةِ، وكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ وَلَّوْهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ، فأوْرَدُوهُم الهَوَى، وأصْدَرُوهُم إلى الرَّدَى، وغيَّروا عُرَى الدِّين، ثُمَّ ورَّثُوه في السَّفَهِ والصِّبا، فالأُمَّةُ يَصْدُرونَ عَنْ أمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أمرِ اللَّهِ تبارَكَ وتَعالى وَعَلَيهِ يَرِدونَ.

فَبِئْسَ للظَّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النَّاسِ بَعدَ وَلايَةِ اللَّهِ، وَثَوابُ النَّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللَّهِ، وَرِضا النَّاسِ بَعْدَ رِضا اللَّهِ، فَأصبَحَتِ الأُمَّةُ كَذلِكَ، وَفِيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ، مُعْجَبونَ مَفْتُونونَ، فعبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم، وَلِمَنِ اقتَدَى بِهِم، وقد كانَ في الرُّسُلِ ذِكْرَى للعابِدينَ.

إنَّ نبيّا مِنَ الأنْبياءِ كانَ يَستَكْمِلُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ يَعْصي اللَّهَ تبارَكَ وتَعالى في البابِ الواحِدِ، فَخَرَج بهِ مِنَ الجَنَّةِ، ويُنْبَذُ بِهِ في بَطْنِ الحُوتِ، ثُمَّ لا يُنَجِّيه إلّا الاعْترافُ والتَّوبَةُ.

فاعرِفْ أشْباهَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ، الَّذين سارُوا بِكِتْمانِ الكِتابِ وَتَحْريفِهِ، «فما رَبِحَتْ تِجارَتُهُم وما كانوا مهتدين»[3]، ثُمَّ اعرِفْ أشْباهَهُم مِن هذهِ الأُمَّةِ، الَّذينَ أقاموا حُرُوفَ الكِتابِ وحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُم مَعَ السَّادَةِ والكُبَرَة، فإذا تفرَّقَتْ قادَةُ الأهْواءِ كانوا مَعَ أكثَرِهِم دُنْيا، وَذلِكَ مبْلَغُهُم مِنَ العِلمِ، لا يَزالونَ كذلِكَ في طَبَعٍ وَطَمَعٍ، لا يَزالُ يُسْمَعُ صوْتُ إبْليسَ عَلى ألْسِنَتِهِم بباطِلٍ كثير، يَصْبِرُ مِنهُمُ العُلماءُ عَلى الأذَى وَالتَّعْنِيفِ، ويَعِيبونَ على العُلماءِ بالتَّكليفِ، والعُلماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ إنْ كتَمُوا النَّصِيحَةَ، إنْ رَأوْا تائِها ضَالّا لا يَهْدونَهُ، أو مَيِّتا لا يُحْيُونَهُ، فَبِئْسَ ما يَصْنَعُونَ،

لِأنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالَى أخَذَ عَلَيهِم المِيثاقَ في الكتابِ أنْ يأْمُروا بالمَعروفِ وبِما أُمِرُوا بهِ، وأنْ ينهَوا عَمَّا نُهُوا عَنهُ، وأنْ يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَّقوَى، ولا يتعَاوَنوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ.

فالعُلماءُ مِنَ الجُهَّالِ في جَهْدٍ وجِهادٍ. إنْ وَعَظَتْ، قالوا: طَغَتْ، وإنْ عَلَّمُوا الحَقَّ الَّذي تَرَكوا، قالوا: خَالَفَت، وإن اعْتَزَلوهُم، قالوا: فارَقتْ، وإنْ قالوا: هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ، قالوا: نافَقَتْ، وإنْ أطاعُوهم، قالوا: عَصتِ اللَّهَ عزّوجلّ، فهَلك جُهَّالٌ فِيما لا يَعلَمونَ، أُمِّيُّون فيما يَتْلونَ، يُصَدِّقُونَ بالكتابِ عِندَ التَّعْريفِ، ويُكَذِّبونَ بهِ عِندَ التَّحْريفِ فلا يُنْكِرونَ، أُولئِكَ أشْباهُ الأحْبار والرُّهْبان، قادَةٌ في الهوَى، سادَةٌ في الرَّدَى، وآخَرون مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ والهُدَى، لا يعْرِفون إحْدَى الطَّائِفتيْن مِنَ الاخْرَى، يَقولونَ: ما كانَ النَّاسُ يَعرِفونَ هذا، ولا يَدْرُونَ ما هُوَ، وصَدَقوا، تَرْكَهُم رسولُ اللَّهِa عَلى البَيْضاءِ، لَيْلُها مِن نَهارِها، لم يَظْهَرْ فِيهِم بِدْعَةٌ، ولم يُبَدَّلْ فِيهِم سُنَّةٌ، لا خِلافَ عِندَهُم ولا اخْتِلافَ، فَلَمَّا غَشِي النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطاياهُم صاروا إمامَيْنِ، دَاعٍ إلى اللَّهِ تَبارَكَ وَتَعالى، ودَاعٍ إلى النَّارِ، فعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فعَلا صَوْتُه عَلى لِسانِ أَولِيَائِهِ، وكثُر خَيْلُهُ ورَجْلُهُ، وَشارَكَ في المالِ والوَلَدِ مَنْ أشْرَكَهُ، فَعُمِل بالبِدْعَةِ، وتُرِكَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، ونَطَقَ الأَولِيَاءُ اللَّهِ بالحُجَّةِ، وَأَخذُوا بالكِتابِ والحِكمَةِ، فَتَفرَّقَ من ذلِكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ، وَتَخاذَلَ وَتَهادَنَ أهلُ الهُدَى، وَتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ، حتَّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فلانٍ وَأشْباهِهِ، فاعرِف هذا الصِّنْفَ.

وصِنْفٌ آخَرُ، فأبْصِرهم رأْيَ العَين نُجَباءُ، والزَمْهُم حَتَّى ترِد أهلَكَ؛ فَ«إنَّ الخاسرين الَّذين خَسِروا أنفُسَهُم وَأهْلِيهِم يَومَ القيامَةِ، ألا ذلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِينُ».



 

 

 

 

متعلق ب ادعــيــة واذكـــــار