رسالة هامّة في إثبات ضرورة وجود الإمام المعصوم في كلّ آن ومكان
اسم النشيد:: رسالة هامّة في إثبات ضرورة وجود الإمام المعصوم في كلّ آن ومكان
اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي
اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الدروس العامة >> الدروس العامة
عدد الزوار : 708
تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:12:25
مشاركة الملف التعريفي:
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة هامّة في إثبات ضرورة وجود الإمام المعصوم في كلّ آن ومكان
بقلم : سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله
قال الحقّ تعالى :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ "[التوبة : 119]
لا شكّ أنّ الآية منطوقا دالّة على امتثال وجوب الكون مع الصادقين . وذلك لظهور صيغة الأمر " كونوا " في الوجوب إن لم نقل بنصّها عليه في مثل المقام, وحينئذ يأتي الكلام في أنّ الأوامر الإلهية الصادرة لا تنزل إلى ساحة الجعل والتقنين إلا بعد تحقّق أمرين هامّين .
الأمر الأوّل : الفراغ من وجود متعلّق الأمر وهو في المقام عبارة عن " إتّّباع الصادقين " ليكون الأمر به أمرا واقعيا, حاله حال الأوامر المسجّلة في الصّلاة والصّوم والحجّ والزّكاة وغيرها, فإنّه لابدّ من تحقّق الهيئة الخاصّة في مثل الصّلاة كقوله صلّى الله عليه وآله" صلّوا كما رأيتموني أصلّي" . ليتعلّق بها الأمر, وكذا الحجّ فإنّه لا يمكن الأمر به إلا بعد تحقّق المناسك الخاصّة به كوجود الكعبة للطواف عليها والمواقف الكريمة والمشاهد الشريفة وما إلى ذلك, وعلى هذا فلا يناقش أحد في ضرورة وجود المأمور به ليصحّ الأمر به وبالتالي امتثاله من قبل المأمورين بذلك, وعليه فما الفرق بين قوله تعالى " وأقيموا الصّلاة " وقوله جلّ وعلا " وكونوا مع الصادقين " فإنّ الآيتين لمن تأمّل وتدبّر ودققّ النظر على وزان واحد, حيث تعلّق الأمر في الأول بالصّلاة,وفي الثانية بالكون مع الصادقين, ومعلوم أنّ الصّلاة لا بدّ من تحققّها, ليصدر الأمر بالإتيان بها وامتثالها, وكذلك بالنسبة إلى الكون مع الصادقين فإنّه لا محالة من تحقّق كونهم ووجودهم, وكذا فإنّ الصّلاة ليست متعلّقة بأهل ذلك الزمان في عصر الخطاب, بل هي مطلوبة ومقصودة من كلّ المخاطبين بها حتّى قيام الساعة, والأمر كذلك بالنسبة إلى الكون مع الصادقين فإنّه ليس خاصّا بعصر المخاطبين, بل يعمّهم وأهل الأزمنة والأمكنة كلّهم, وخير دليل على ما ذكر الوجدان والعيان وسائر التقنيات لدى العقلاء وبعبارة أدقّ سير العقلاء القاضية بوجود المتعلّق للأمر عند صدوره وإلا كان الأمر به لغوا, فتدبّر فإنّه دقيق وبالنّظر حقيق وما أوتيته عن أمري ذلك من فضل ربّي .
الأمر الثاني : كون المأمور به مقدورا بمعنى أن يكون تحت اختيار المكلّف بحيث يمكنه من فعله وتركه, بخلاف ما لو كان خارجا عن اختياره – إمّا لكونه ضروري الوقوع كدقّات القلب, أو ضروري الترك كالطّيران إلى السماء, أو لأنّه قد يحصل وقد لا يحصل ولكنه في حالات حصوله يحصل من دون اختيار المكلّف كما في نبع الماء من تحت الأرض, فإنّ الماء قد ينبع وقد لا ينبع وفي حالات نبعه ينبع من دون اختيار المكلف - فإنّه يكون غير مقدور. ولاشكّ فيه ولا ريب يعتريه في أنّ الأمر في موردنا هو من الأوامر التي يكون فيها المأمور به مقدورا باعتبار أنّ الطلب قد تعلّق بإتّباع من صدق فيه بشكل تامّ " الصادقون " .
فائدة : قد يقول قائل بأنّه ما هو الغرض من هذا الاعتبار والجعل ؟ فإنّا نقول: ؟إنّ الفائدة يمكن تصوّرها بشكلين :
الشكل الأول : إطلاع المكلّفين على اشتمال التكليف بالإتّباع للصادقين على الحبّ والمصلحة الإلهيّتين.
الشكل الثاني : تحريك المكلّفين نحو مواصلة الإتّباع والانصياع للصادقين وبعثهم لهما, وان كان الغرض الواقعي هو التحريك لا مجرّد الإخبار عن وجود المصلحة والشوق فقوله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
يدلّ على التحريك نحو الحجّ أيضا لا على وجود المصلحة والشوق فقط. وعلى هذا يترتّب إنّه إن كان المأمور به موجودا ومقدورا فلا محالة يتحقّق استحقاق العقوبة على تركه " الإتباع " بعد جعل التكليف عليه ومخالفته له, بل لو لم يحصل الامتثال بالإتباع لهم فإنّه يساوق عدم تحقّق شيء بالنسبة إلى الغرض الإلهي, وذلك لترتّب سائر الامتثالات الأخرى في الفروض على هذا الأمر الأساسي, فإنّه في الواقع يمثّل المركز الأول والمنطلق الابتدائي لتقييم العمل عباديّا أو معامليّا على ضوءه. والحاصل‘إنّه إذا تبيّن لك ضرورة وجود الصادقين والقدرة على امتثال إتّباعهم فإنّه يثبت بذلك أنّ الصادق لا يخلو منه زمان أو مكان ليصدق الطلب الإلهي ولا يكون لغوا, لأنّه عندما أمر بالكون مع الصادقين (وضروري أنّ الخطاب متعلّق بكافّة المكلّفين سواء كانوا في عصر الخطاب أو ما بعده من العصور إلى قيام الساعة, بداهة كون القرآن المجيد تبيانا لكلّ شيء على مدى العصور والدهور) فإنّه لابدّ أن يكون الصادق موجودا ليتحقّق امتثال الأمر, فافهم تغنم وسارع تسبق وبعد تمامية هذا المطلب. ننتقل إلى مطلب آخر: وهو أنّ المأمور به وهو الكون مع الصادقين لابدّ أن يكون الإتّباع له صحيحا وسليما بعد الفراغ من المراد من قوله تعالى" وكونوا مع الصادقين" فهل هم من يصدق عليه طروّ الخلل والنقص والوقوع في المخالفة الشرعية, أم خصوص من اجتمعت فيه الصفات الكمالية ؟ لاشك عقلا أنّ الأمر الإلهي لا يدعو إلى إتّباع الناقص التي تصدر منه المخالفة الشرعية, لأنّه يستلزم المحذور المحال على الحكيم الخبير, مثل التغرير بالعباد والتضليل لهم, فإنّهم لو رأوا من أمروا بإتباعه يرتكب الذمائم من الأمور والنقائص المشينة لأعابوا عليه ذلك, الأمر الذي يستلزم الإعابة على من أمر به وهو قبيح. إذن لم يبق للعاقل السليم إلا التسليم بأنّ المراد من الصادقين هو من كان كاملا تامّا سويّا خلقا وخلقا ومنطقا, وهذا بحسب الحقيقة لا يتمّ إلا فيمن شهد لهم الكتاب العزيز بقوله عزّ وجلّ " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ومن المسلّم به أنّ الآية لا تنطبق تمام الانطباق حصرا إلا على علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة المعصومين عليهم السلام, ثمّ إنّه إذا تعيّن المطلوب وظهر المقصود ينكشف لنا ببركة المنطوق الشريف عدّة لوازم قطعية :
اللازم الأوّل : صدق العصمة المطلقة للصادقين وذلك بلحاظ التنزيه التامّ لهم بمقتضى الأمر بالإتّباع وهو أمر قطعي لا غبار عليه .
اللازم الثاني : تمامية العلم الإلهي لهم بما كان أو يكون وما هو كائن وذلك لبداهة أنّ الأمر بالكون معهم شاهد قطعي على تمام قدرتهم في جميع المستلزمات الوجودية الشرعية والشرعية الوجودية, ويؤيّد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام" سلوني قبل أن تفقدوني" وشهادة القرآن المجيد له بقوله " قل كفى بالله شهيدا بيني وبينهم ومن عنده علم الكتاب " وقوله تعالى " وكل شيء أحصيناه في كتاب المبين " .
اللازم الثالث : تحقّق الإمامة المطلقة على الصعيدين التكويني والتشريعي كما قال عزّ وجلّ " إني جاعلك للناس إماما " وقوله تعالى " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا " ويشهد لهذه الحقائق المركوزة في بطن الآية تقديم الأمر بالتقوى لغرض الإعداد والاستعداد لأنها في واقع تفسيرها " التقوى " هي الوقاية من الأرجاس والأدناس والشوائب فإنه إذا تمّ ذلك, تمّ اللقاء والكون مع عين الطهر والطهارة وأصل كلّ طهر وطاهر .
اللازم الرابع : مشروعية خلافته وحكومته على كافّة أهل الآفاق, الأمر الذي يلزم الخلائق بإتباعه في ما يأمر وينهى في الأمور كلّها الخاصّ منها والعامّ كالسلم والحرب وغيرها, وعليه فلا يصحّ تبعيض الإتباع في جانب دون آخر, ممّا يلزم التصدّع وهو غير مقبول وغير معقول, فلاحظ ما تلوته عليك من سحائب المشيئة في ساحة سدرة المنتهى, ما زاغ البصر وما طغى .وإن أبيت إلا المزيد في التأييد والتأكيد فليس ما هنالك إلا الذكر الحكيم وأقوال الصّادقين,لتزداد بصيرة بما يتلى عليك,تاركا التعليق فيما تقرأ وتتدبّر على فراستك وحكمتك,وأنت جدّ عليم,وفي البدء أعرض لك آيات الكتاب المبين,ثمّ أنتقل بك إلى ما صدع به الميامين سلام الله عليهم أجمعين.
متعلق ب الدروس الكتابية
نبذة عن الحسينية
عدد زوار الموقع
وسائل التواصل الاجتماعي
اتصل بنا
أرسل ملاحظاتك إلى البريد الإلكتروني التالي