رد الشبهات في التوحيد

اسم النشيد:: رد الشبهات في التوحيد

اسم المنشد : حسينية النور

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الدروس العامة >> الدروس العامة

عدد الزوار : 613

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:51:23

مشاركة الملف التعريفي:

رد الشبهات في التوحيد


المقدمة :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد واله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .

خلق الله سبحانه وتعالى الخلق للطاعة والمعرفة والوصول الى درجات الكمال الإنساني ,  ومن أهم المعارف السامية للوصول الى الكمال هو علم التوحيد ,

كلّما يكون الإنسان أعلم بمسائل التوحيد فإنّه سيكون أقدر على توسيع آفاق رؤيته الكونية، وارتقاء مستواه الديني في الصعيد الفكري والمعرفي، وامتلاك العقيدة الدينية الحقة .

 و في بيان معنى التوحيد والرواية في نهج البلاغة قال الإمام علي عليه السلام : أول الدين معرفته, وكما لمعرفته التصديق به, وكمال التصديق به توحيده, وكمال توحيده الإخلاص له, وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ....الى اخر الخطبة .

ولهذا تمّ اعداد هذا الكتيب لبيان عقيدة التوحيد عند أهل البيت عليهم السلام والذي هو الأصل الأوّل من أصول الدين . والكتيب عبارة عن رواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وقد قمنا باستقطاع 30 صفحة تقريبا من اصل 600 صفحة من كتاب الاحتجاج  ومؤلف هذا الكتاب هو أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي الذي عاش في القرن السادس الهجري .

وقد تناول الكتيب محاورة سلسة ولطيفة وسهلة بين الامام الصادق عليه السلام مع احد الملحدين ( الزنادقة ) . وتناولت المحاورة الكثير من المعارف المفيدة في شتى العلوم وهي ليست فقط للملحدين ولكن تجيب أيضا على الكثير من الأسئلة الموجودة في أذهان الشباب في زماننا هذا ولم يجدوا الجواب الشافي عليه .  وقبل المضي في محاور الكتاب لزاما علينا ان نبين معنى التوحيد وضده الالحاد والزندقة .

فأما التوحيد فهو أهم الأصول الاعتقادية في الإسلام، ويشير إلى أن الله واحد، وليس له مثيل، وأنه لا شريك له في خلق العالم .وقد بينا المعنى في مقدمة البحث من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة .

أما الالحاد بمعناه الواسع هو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة .

أما الزنديق في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي

الزِّندِيقُ : الْمُمارِسُ للزَّنْدَقَةِ، الضَّالُّ الخَبيثُ، الْمُلْحِدُ، مَنْ يُظْهِرُ الإِيمانَ وَيُخْفِي الكُفْرَ وَيُضْمِرُهُ، ومن لا يدين بدين .

وكان يطلق على الملحدين قديما بالزنادقة اما في وقتنا الحاضر يطلق عليهم بالملحدين . 

 

وقد تصدى الإمام عليه السلام للملحدين فدحض الشبهات التي دعتهم للإلحاد، مثبتًا الوجود الإلهي عبر طريقين الادراك العقلي والإدراك الفطري.

 

 

 

 

 

 

-      المحاورة بين الامام جعفر الصادق وأحد الزنادقة :

 

جاء أبو شاكر الديصاني الى الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ليسأله عن التوحيد ومسائل أخرى في معرفة الله تعالى وكان من الملحدين في زمان الامام الصادق عليه السلام و قد أسلم على يديه بعد المناظرة , وقد سأله مسائل كثيرة أنه قال:
يا جعفر بن محمد دلني على معبودي!
فقال أبوعبد الله عليه السلام: إجلس! فإذا غلام صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبوعبد الله ناولني ياغلام البيضة! فناوله إياها، فقال أبوعبد اللهيا ديصاني هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة، وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة، فهي على حالها، لا يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها، ولا يدخل إليها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى له مدبرا؟

 

قال :  كيف يعبد الله الخلق ولم يروه ؟
قال عليه السلام : رأته القلوب بنور الإيمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان ، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب ، وأحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها و الكتب ومحكماتها ، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته .

 

قال : أليس هو قادر أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد على يقين؟
قال عليه السلام : ليس للمحال جواب.

قال : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟
قال عليه السلام : أنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه ، ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن له معبرون هم أنبياء الله وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل و البراهين والشواهد من : إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
ثم قال عليه السلام بعد ذلك : نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء ، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء ، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقا منيرا ، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا ، أخرج منه الأنبياء والرسل ، هم صفوة الله ، وخلص الجوهر ، طهروا في الأصلاب ، وحفظوا في الأرحام ، لم يصبهم سفاح الجاهلية ، ولا شاب أنسابهم ، لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه ، فمن كان خازن علم الله ، وأمين غيبه و مستودع سره، و حجته على خلقه، وترجمانه ولسانه ، لا يكون إلا بهذه الصفة فالحجة لا يكون إلا من نسلهم ، يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله في الخلق بالعلم الذي عنده ، وورثه عن الرسول ، إن جحده الناس سكت ، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه ، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس ، وأنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ، ظهر العدل ، وذهب الاختلاف

والتشاجر ، واستوى الأمر وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين ، ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول ، وما مضى رسول ولا نبي قط لم يختلف أمته من بعده ، وإنما كان علة اختلافهم على الحجة وتركهم إياه.

 قال : فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة ؟

قال عليه السلام : قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مما فيه منفعة الخلق وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم وإن زادوا فيه أخبرهم وإن نقصوا منه شيئا أفادهم.


ثم قال : من أي شيء خلق الله الأشياء ؟
قال عليه السلام : لا من شيء.

فقال : كيف يجئ من لا شيء  شيء ؟
قال عليه السلام : إن الأشياء لا تخلو أما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء ، فإن كان خلقت من شيء كان معه ، فإن ذلك الشيء قديم ، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ، ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء حيا ؟! ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا ؟!
ولا يجوز أن يكون من حي و ميت قديمين لم يزالا ، لأن الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا ، ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت ، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء.

قال : فمن أين قالوا أن الأشياء أزلية ؟
قال عليه السلام : هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ، ومقالتهم ، والأنبياء وما أنبأوا عنه ، وسموا كتبهم أساطير ، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم ، أن الأشياء تدل على حدوثها ، من دوران الفلك بما فيه ، وهي سبعة أفلاك ، وتحرك الأرض ومن عليها ، وانقلاب الأزمنة ، واختلاف الوقت ، والحوادث التي تحدث في العالم ، من زيادة و نقصان ، وموت وبلى، واضطرار النفس إلى الاقرار بأن لها صانعا ومدبرا ، ألا ترى الحلو يصير حامضا ، والعذب مرا ، والجديد باليا ، وكل إلى تغير وفناء؟!


قال : فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها ؟
قال عليه السلام : فلم يزل يعلم فخلق ما علم.

قال : أمختلف هو أم مؤتلف ؟
قال عليه السلام : لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف ، وإنما يختلف المتجزيء ، ويأتلف المتبعض ، فلا يقال له مؤتلف ولا مختلف.

قال : فكيف هو الله الواحد ؟
قال عليه السلام : واحد في ذاته ، فلا واحد كواحد ، لأن ما سواه من الواحد متجزيء وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزئ، ولا يقع عليه العد.

 

قال : فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر إلى خلقهم ، ولا يليق به التعبث بنا ؟
قال عليه السلام : خلقهم لإظهار حكمته، و إنفاذ علمه، و إمضاء تدبيره.

قال : وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ، ومحتبس عقابه ؟
قال عليه السلام : إن هذه الدار دار ابتلاء ، ومتجر الثواب ، ومكتسب الرحمة، ملئت آفات ، وطبقت شهوات ، ليختبر فيها عبيده بالطاعة ، فلا يكون دار عمل دار جزاء.

قال : أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا ، وقد كان و لا عدو له ، فخلق كما زعمت (إبليس) فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ، ويأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم ، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ، ويلبس عليهم دينهم ، فيزيلهم عن معرفته ، حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته ، و عبدوا سواه ، فلم سلط عدوه على عبيده ، وجعل له السبيل إلى إغوائهم ؟
قال عليه السلام : إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته ، ولا تنفعه ولايته ، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا ، وولايته لا تزيد فيه شيئا ، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع ، إن هم بملك أخذه ، أو بسلطان قهره ، فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده ويوحده ، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم ، فامتنع من ذلك حسدا ، وشقاوة غلبت عليه، فلعنه عند ذلك ، وأخرجه عن صفوف الملائكة ، وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب ، ما له من السلطة على ولده إلا الوسوسة ، والدعاء إلى غير السبيل ، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.

قال : أفيصلح السجود لغير الله ؟
قال عليه السلام : لا.

قال : فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟

قال عليه السلام : إن من سجد بأمر الله ، سجد لله، إذا كان عن أمر الله.

قال : فمن أين أصل الكهانة ، ومن أين يخبر الناس بما يحدث ؟
قال عليه السلام : إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم ، فيخبرهم عن أشياء تحدث ، وذلك من وجوه شتى ، فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح ، مع قذف في قلبه ، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف ، وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ، ولا ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لإثبات الحجة ، و نفي الشبهة ، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ، ثم يهبط بها إلى الأرض ، فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده ، فيخلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا  للناس بما يتحدثون به ، وما يحدثونه ، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث ، من سارق سرق ومن قاتل قتل ، ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضا ، صدوق وكذوب.

قال : وكيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة و الكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟
قال عليه السلام : غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق ، غذائهم النسيم ، والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع ، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب.

قال : فأخبرني عن السحر ما أصله ، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف

من عجائبه ، وما يفعل ؟
قال عليه السلام : إن السحر على وجوه شتى:
وجه منها بمنزلة الطب ، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علم السحر، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة.
ونوع آخر منه خطفة و سرعة ، ومخاريق وخفة ونوع آخر ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.

قال : فمن أين علم الشياطين السحر؟
قال عليه السلام : من حيث عرف الأطباء الطب ، بعضه تجربة ، وبعضه علاج.

قال : فما تقول في الملكين هاروت وماروت ؟ وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر ؟
قال عليه السلام : إنهما موضع ابتلاء ، وموقع فتنة ، تسبيحهما : اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا وكذا ، ولو يعالج بكذا وكذا لكان كذا، أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.

قال : أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك ؟
قال عليه السلام : هو أعجز من ذلك، وأضعف من أن يغير خلق الله ، إن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره فهو شريك الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض ، ولنفى البياض عن رأسه ، والفقر عن ساحته ، وأن من أكبر السحر النميمة ، يفرق بها بين المتحابين ، ويجلب العداوة على المتصافيين ، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور ، والنمام أشر من وطئ الأرض بقدم ، فاقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب ، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرء.

 

قال : فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع ؟
قال عليه السلام : الشريف المطيع ، والوضيع العاصي.

قال : أليس فيهم فاضل ومفضول ؟
قال عليه السلام : إنما يتفاضلون بالتقوى.

قال : فتقول أن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى ؟
قال عليه السلام : نعم. أني وجدت أصل الخلق التراب ، والأب آدم ، والأم حواء ، خلقهم إله واحد ، وهم عبيده ، إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم ، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، أخرج منهم الأنبياء والرسل ، فهم أزكى فروع آدم ، فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عز وجل . ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه و يعبدونه ولا يشركون به شيئا ، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة و المنزلة الرفيعة عنده ، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب ، وساير الناس سواء، إلا من اتقى الله أكرمه ، ومن أطاعه أحبه ، ومن أحبه لم يعذبه بالنار.

قال : فأخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ؟
قال عليه السلام : لو خلقهم مطيعين ، لم يكن لهم ثواب ، لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نارا ، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله ، وقطع عذرهم بكتبه ، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب ، وبمعصيتهم إياه العقاب.

قال : فالعمل الصالح من العبد هو فعله ، والعمل الشر من العبد هو فعله ؟
قال عليه السلام : العمل الصالح من العبد بفعله ، والله به أمره ، والعمل الشر من العبد بفعله، والله عنه نهاه.

قال : أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه ؟
قال عليه السلام : نعم. ولكن بالآلة التي عمل بها الخير ، قدر على الشر الذي نهاه عنه

 

قال : فإلى العبد من الأمر شيء ؟
قال عليه السلام : ما نهاه الله عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه ، ولا أمره بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله ، لأنه ليس من صفته الجور ، والبعث ، والظلم ، وتكليف العباد ما لا يطيقون.

قال : فمن خلقه الله كافرا  أيستطيع  الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة  ؟
قال عليه السلام : إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين ، أمرهم ونهاهم ، و الكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا ، إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله ، فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافرا.

قال : أفيجوز أن يقدر على العبد الشر ، ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله، ويعذبه عليه ؟
قال عليه السلام : إنه لا يليق بعدل الله و رأفته أن يقدر على العبد الشر و يريده منه ، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه ، و الإنزاع عما لا يقدر على تركه ، ثم يعذبه على أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه.

قال : بماذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغناء و السعة ، وبماذا استحق الفقير التقتير والتضييق ؟
قال عليه السلام : اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم ، والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم ، ووجه آخر : أنه عجل لقوم في حياتهم ، ولقوم أخر ليوم حاجتهم إليه ، ووجه آخر فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا ، وفسد التدبير ، وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا ، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال، وأنواع الصناعات ، وذلك أدوم في البقاء ، وأصح في التدبير ، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء ، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.

قال : فبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض بلا ذنب عمله ، ولا جرم سلف منه ؟
قال عليه السلام : إن المرض على وجوه شتىمرض بلوى ، ومرض عقوبة ، ومرض جعل علة للفناء ، وأنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة ، وأشربة وبيئة ، أو من علة كانت بأمه ، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه ، وأجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضار مما يأكل من النافع ، لم يمرض ، وتميل في قولك إلى من يزعم :
أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب !  قد مات 

أرسطاطاليس معلم الأطباء ، وإفلاطون رئيس الحكماء ،  وجالينوس شاخ و دق بصره ، وما دفع الموت حين نزل بساحته ، ولم يألوا حفظ أنفسهم ، والنظر لما يوافقها ، كم مريضا قد زاده المعالج سقما،  وكم من طبيب عالم ، وبصير بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا . فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله ، ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.
ثم قال عليه السلام: إن أكثر الأطباء قالوا : إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء ، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه ، وأمناءه في أرضه ، وخزان علمه ، وورثة حكمته ، والأدلاء عليه ، والدعاة إلى طاعته  ؟
ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء ، ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى ، فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه.

قال: فكيف تزهد في قوم و أنت مؤدبهم وكبيرهم ؟
قال عليه السلام : إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه ، وتأليف بدنه ، وتركيب أعضائه ، ومجرى الأغذية في جوارحه ، ومخرج نفسه وحركة لسانه، ومستقر كلامه ، ونور بصره ، وانتشار ذكره ، واختلاف شهواته ، وانسكاب عبراته ، ومجمع سمعه ، وموضع عقله ، ومسكن روحه ، ومخرج عطسته ، وهيج غمومه ، وأسباب سروره ، وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم ، وغير ذلك ، لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها،  وعلل فيما بينهم جوزوها.

 

قال : فأخبرني عن الله أله شريك في ملكه ، أو مضاد له في تدبيره ؟
قال عليه السلام : لا. 

قال : فما هذا الفساد الموجود في العالم . من سباع ضارية ، وهوام مخوفة وخلق كثير مشوهة ، ودود،  وبعوض ، وحيات ، وعقارب ، وزعمت : أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة ، لأنه لا يعبث ؟
قال عليه السلام : ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة ،  ولمن يبول في الفراش ، وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي ، فإن لحومها إذا أكلها المجذوم بشب نفعه ، وتزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة ؟

قال: نعم.
قال عليه السلام : فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير ، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر ، وأنكر ربوبيته ، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته ، وهي البعوض، فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته ، واعلم أنا لو وقعنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه ؟ ولأي شيء  أنشأه ؟ لكنا قد ساويناه في علمه ، وعلمنا كلما يعلم ، واستغنينا عنه ، وكنا وهو في العلم سواء.

قال : فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله وتدبيره ؟
قال عليه السلام : لا.

قال : فإن الله خلق خلقه غرلا ، أذلك منه حكمة أم عبث ؟

قال عليه السلام : بل منه حكمة.

قال : غيرتم خلق الله ، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها ، وعبتم الأغلف ، والله خلقه ، ومدحتم الختان وهو فعلكم . أم تقولون أن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة ؟!
قال: عليه السلام: ذلك من الله حكمة و صواب ، غير أنه سن ذلك و أوجبه على خلقه ، كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه ، كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها ، وفي تركها فساد بين للمولود والأم ، وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم ، وكان قادرا يوم دبر خلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول ، وكذلك الشعر من الشارب والرأس ، يطول فيجز ، وكذلك الثيران خلقها الله فحولة ، وإخصاؤها أوفق ، وليس في ذلك عيب في تقدير الله عز وجل.

قال : ألست تقول : يقول الله تعالى :  (ادعوني أستجب لكم) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له ، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره ؟
قال عليه السلام : ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له ، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه ، وأما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له ، وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه ، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه ، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه ، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم ينقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر ، لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه ،

 وأشباه ذلك كثيرة فافهم هذا.

متعلق ب الدروس الكتابية

تفسير نهج البلاغه - التوحيد

الدروس العامة
2 years ago

سنريهم آياتنا في الافاق

الدروس العامة
2 years ago

شهر ذو القعدة

الدروس العامة
2 years ago

شهر ذي الحجة

الدروس العامة
2 years ago

شهر ربيع الاول

الدروس العامة
2 years ago

شهر رجب

الدروس العامة
2 years ago