معرفة علامات وقدر الامامة

اسم النشيد:: معرفة علامات وقدر الامامة

اسم المنشد : حسينية النور

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الدروس العامة >> الدروس العامة

عدد الزوار : 695

تاريخ الاضافة: 2022-02-22 21:18:41

مشاركة الملف التعريفي:

معرفة علامات وقدر الامامة

الامامة

 

احتجاج الامام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه فيما يتعلق بالإمامة وصفات من خصه الله تعالى بها وبيان الطريق إلى من كان عليها وذم من يجوز اختيار الإمام ولؤم من غلا فيهم

 

-      الحجة على الخلق :
أبو يعقوب البغدادي قال: إن ابن السكيت قال لأبي الحسن الرضا عليه السلام لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء، وبآية السحر، وبعث عيسى بآية الطلب، وبعث محمدا صلى الله عليه وآله بالكلام والخطب؟
فقال له أبو الحسن عليه السلامأن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسع القوم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم.
وأن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات ( العاهات التي يئس من الشفاء منها ) ، واحتاج الناس إلى الطلب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.
وأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال والشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم. 


قال: فما زال ابن السكيت يقول له: والله ما رأيت مثلك قط! فما الحجة على الخلق اليوم؟
فقال عليه السلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه.


فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب، قد ضمن الرضا عليه السلام في كلامه هذا أن العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل يلتجئ المكلف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة، صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى، يتوصل المكلف إلى معرفته بالعقل، ولولاه لما عرف الصادق من الكاذب، فهو حجة الله تعالى

على الخلق أولا.

 

الامامة من تمام الدين:

عن القسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال:
كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في جامعها في يوم جمعة في بدو قدومنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه السلام فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسم ثم قال عليه السلام :  
يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا.
فقال عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شئ)  وأنزل في حجة الوداع وهو في آخر عمره ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) , فأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبيله، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل، ومن رد كتاب الله فهو كافر. هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم. إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم، فيقيموها باختيارهم. إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة، مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه الله بها، فأشاد بها ذكره فقال عز وجل:
﴿إني جاعلك للناس إماما﴾  فقال الخليل - سرورا بها -: ﴿ومن ذريتي﴾  قال الله عز وجل﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾  فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عز وجل بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين )  فلم: تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا، حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله فقال الله عز وجل: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) , فكانت له خاصة، فقلدها النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عز وجل: (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟

 

معرفة قدر الإمامة ومحلها من الأمة :
إن الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء.
إن الإمامة خلافة الله عز وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين.
إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين.
إن الإمامة رأس الإسلام النامي، وفرعه السامي.
بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام، والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.
الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق، بحيث لا تناله الأيدي والأبصار.
الإمام: البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء القفار ولجج البحار.

الإمام: الماء العذب على الظلماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى.
الإمام: النار على البقاع الحارة لمن اصطلى، والدليل على المسالك، من فارقه فهالك.
الإمام: السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة والعين الغزيرة، والغدير والروضة.
الإمام: الأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية.
الإمام: أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حريم الله.
الإمام: المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم.
بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المارقين، وبوار الكافرين.
الإمام: واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عدل، ولا يوجد له بديل ولا له مثيل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المتفضل الوهاب.

 

ذم من يجوز اختيار الامام :

 فمن ذا يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات!
ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباب وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعيت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين، ووصف الواصفين! فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا، ظنوا أن دخل يوجد في غير آل رسول الله صلى الله عليه وآله؟
كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل، فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا بعدا.

قاتلهم الله أنى يؤفكون! لقد راموا صعبا، وقالوا إفكا، وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام من غير بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، وكانوا مستبصرين، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله ، إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون)  وقال عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)  وقال عز وجل:( وما لكم كيف تحكمون * أم لكم كتاب فيه تدرسون * أن لكم فيه لما تخيرون * أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة أن لكم لما تحكمون * سلهم أيهم بذلك زعيم * أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين)  وقال عز وجل: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) , (أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون) (قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون)  (وقالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) .
فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، ومخصوص بدعوة الرسول وهم نسل مطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول، والرضا من الله، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.
إن الأنبياء والأئمة يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما

لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عز وجل: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) , وقوله عز وجل: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) , وقوله عز وجل - في طالوت -: (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) , وقال عز وجل لنبيه: (وكان فضل الله عليك عظيما) , وقال عز وجل - في الأئمة من أهل بيته وعترته -: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا).
وأن العبد إذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده الجواب، ولا يحير فيه عن الصواب وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن الخطايا والزلل والعثار، فخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا، فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله: (فنبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم) , فذمهم الله ومقتهم أنفسهم فقال عز وجل: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين (وقال عز وجل: (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) , وقال عز وجل: (كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار).

 

علامات الامام :

وروي عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختونا، ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، ولا ينام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعا لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا، حتى أنه لو دعى على صخرة لانشقت بنصفين، أو يكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار، وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة، وهي صحيفة فيها سبعون ذراعا، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، وهو إهاب كبش فيها جميع العلوم حتى أرش الخدش، حتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام.

 

وروى خالد بن الهيثم الفارسي قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلامإن الناس يزعمون: أن في الأرض أبدالا فمن هؤلاء الأبدال؟
قال عليه السلام: صدقوا، الأبدال هم الأوصياء، جعلهم الله في الأرض بدل الأنبياء إذا رفع الأنبياء وختم بمحمد صلى الله عليه وآله.

 

ذم الغلاة والمفوضة والبراءة منهم :
وقد روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلاممن ذم الغلاة والمفوضة وتكفيرهم وتضليلهم والبراءة منهم وممن والاهم، وذكر علة ما دعاهم إلى ذلك الإعتقاد الفاسد الباطل، و روي عن آبائه وأبنائه عليهم السلام، في حقهم والأمر بلعنهم، والبراءة منهم، وإشاعة حالهم، والكشف عن سوء اعتقادهم، كي لا يغتر بمقالتهم ضعفاء الشيعة، ولا يعتقد من خالف هذه الطائفة أن الشيعة الإمامية بأسرهم على ذلك، نعوذ منه وممن اعتقده وذهب إليه.

فمما ذكره الرضا عليه السلام عن علة وجه خطأهم وضلالهم عن الدين القيم: ما رويناه بالإسناد عن أبي محمد الحسن العسكري: أن الرضا عليه السلام والصلوات والتحيات قال:
إن هؤلاء الضلال الكفرة ما أتوا إلا من قبل جهلهم بمقدار أنفسهم، حتى اشتد إعجابهم بها وكثرة تعظيمهم لما يكون منها، فاستبدوا بآرائهم الفاسدة، واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل الواجب، حتى استصغروا قدر الله واحتقروا أمره، وتهاونوا بعظيم شأنه، إذ يعلموا أنه القادر بنفسه الغني بذاته، الذي ليست قدرته مستعارة ولا غناه مستفادا، والذي من شاء أفقره ومن شاء أغناه، ومن شاء أعجزه بعد القدرة، وأفقره بعد الغنى، فنظروا إلى عبد قد اختصه الله بقدرة ليبين بها فضله عنده، وآثر بكرامته ليوجب بها حجته على خلقه، وليجعل ما أتاه من ذلك ثوابا على طاعته، وباعثا على اتباع أمره، ومؤمنا عباده المكلفين من غلظ من نصبه عليهم حجة ولهم قدوة، فكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا ينتجعون فضله ويؤملون نائله، ويرجون التفيوء بظله والانتعاش بمعروفه، والانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على طلب الدنيا، وينقذهم من التعرض لدني المكاسب وخسيس المطالب، فبينا هم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه وقد وجهوا الراغبة نحوه، وتعلقت قلوبهم برؤيته، إذ قيل لهم: سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله، فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه، ومن الاقرار بالمملكة واجبه، وإياكم أن تسموا باسمه غيره، أو تعظموا سواه كتعظيمه، فتكونوا قد بخستم الملك حقه وأزريتم عليه، واستحققتم بذلك منه عظيم عقوبته فقالوا:
نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا، فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمها إليه سيده، ورجل قد جعلهم في جملته، وأموال قد حباه بها، فنظر هؤلاء - وهم للملك طالبون - فاستكثروا ما رأوه بهذا العبد من نعم سيده، ورفعوه أن يكون هو من المنعم عليه بما وجدوا معه، فأقبلوا يحيونه تحية الملك ويسمونه باسمه ويجحدون أن يكون فوقه ملك وله مالك، فأقبل عليهم العبد المنعم عليه وسائر جنوده بالزجر والنهي عن ذلك، والبراءة مما يسمونه به، ويخبرونهم: بأن الملك هو الذي أنعم بهذا عليه واختصه به، وأن قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخط الملك وعذابه، ويفوتكم كلما أملتموه من جهته، وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون عليهم قولهم، فما زالوا كذلك حتى غضب الملك لما وجد هؤلاء قد سووا به عبده، وأزروا عليه في مملكته وبخسوه حق تعظيمه، فحشرهم أجمعين إلى حبسه، ووكل بهم من يسومهم سوء العذاب.
فكذلك هؤلاء لما وجدوا أمير المؤمنين عبدا أكرمه الله ليبين فضله، ويقيم حجته، فصغروا عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا له عبدا، وأكبروا عليا عن أن يكون الله عز وجل له ربا، فسموه بغير اسمه فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته وقالوا لهم: يا هؤلاء أن عليا وولده عباد مكرمون مخلوقون ومدبرون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم عليه لله رب العالمين، ولا يملكون إلا ما ملكهم، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا قبضا ولا بسطا، ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم عليه وطوقهم، وأن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين، ويتعالى عن نعت المحدودين، وأن من اتخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون الله فهو من الكافرين وقد ضل سواء السبيل.
فأبى القوم إلا جماحا وامتدوا في طغيانهم يعمهون، فبطلت أمانيهم، وخابت مطالبهم، وبقوا في العذاب.


وروينا أيضا بالإسناد المقدم ذكره عن أبي محمد العسكري عليه السلامأن أبا الحسن الرضا عليه السلام قال:
إن من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين.
وقال أمير المؤمنين عليه السلاملا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني برئ من الغالين.

 

فقام إليه رجل فقال: يا بن رسول الله صف لنا ربك! فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا
فوصفه الرضا عليه السلام أحسن وصف، ومجده ونزهه عما لا يليق به تعالى.
فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله! فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلها من صفات علي عليه السلام، وأنه هو الله رب العالمين.
(قال): فلما سمعها الرضا عليه السلام، ارتعدت فرائصه وتصببب عرقا وقال:
سبحان الله عما يشركون، سبحانه عما يقول الكافرون علوا كبيرا، أوليس علي كان آكلا في الآكلين، وشاربا في الشاربين، وناكحا في الناكحين، ومحدثا في المحدثين. وكان مع ذلك مصليا خاضعا، بين يدي الله ذليلا، وإليه أواها منيبا أفمن هذه صفته يكون إلها؟! فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدث كل موصوف بها..
فقال الرجل: يا بن رسول الله إنهم يزعمون: أن عليا لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله، دل على أنه إله، ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم، وامتحنهم ليعرفوه، وليكون إيمانهم اختيارا من أنفسهم
,.
فقال الرضا عليه السلام
أول ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم.
لما ظهر منه (الفقر والفاقة) دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله، فعلم بهذا أن الذي أظهره من المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين، لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في صفات الضعف.


متعلق ب الدروس الكتابية

تفسير نهج البلاغه - التوحيد

الدروس العامة
2 years ago

رد الشبهات في التوحيد

الدروس العامة
2 years ago

سنريهم آياتنا في الافاق

الدروس العامة
2 years ago

شهر ذو القعدة

الدروس العامة
2 years ago

شهر ذي الحجة

الدروس العامة
2 years ago

شهر ربيع الاول

الدروس العامة
2 years ago