الدرس الأول : المقدمة ونبذة تمهيدية عن علم الأصول

اسم النشيد:: الدرس الأول : المقدمة ونبذة تمهيدية عن علم الأصول

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 966

تاريخ الاضافة: 2022-02-14 00:33:56

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الأول : المقدمة ونبذة تمهيدية عن علم الأصول


بسم الله الرحمن الرحيم

علم الأصول

شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره

جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس الأول : نبذة تمهيدية عن علم الأصول - بداية علم الأصول
 
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله محمد وآله آل الله .

يُعد علم الأصول من العلوم الأساسية لمعرفة الأحكام الشرعية , و به يتعين الحكم الفرعي نتيجة لمعرفة الكليات والكبريات التي تُنَقح في هذا العلم .

ومن هنا فإنه وسيلة المتعبد والتابع للشرع المقدس لأني عندما آمنت بالله وآمنت بالرسالة و الرسول فلابد لي أن أتبع كل ما يُقرر , وبما إن الكثير من المقُرر غامض علينا بسبب البعد الزمني واندثار الروايات أو تغييبها و إلى آخره من الأسباب .

إذن كيف أتوصل إلى تحقيق عنوان العبودية مع الرب تبارك وتعالى , فإنه لابد من سلوك هذا المنهج , منهج علم الأصول والذي يضمن لنا أن نتعرف على الحكم أما بأسلوب مباشر أو بأسلوب غير مباشر . بالعثور على الدليل فأخذ به وحينئذ أتعبد بما أفادني به الدليل وأما إذا فقد الدليل فالأصل أصيل حيث لا دليل, وهذه هي القاعدة الأساسية.



علم الأصول من الناحية التاريخية :

ثمة دراسات مختصرة حول نشأت هذا العلم من لدن عصر النص إلى يومنا هذا وما تخلل هذا العلم من معارضة صريحة في القرن الحادي عشر من لدن الأخباريين , ومما ترتب على ذلك من مواقف جريئة للوحيد البهبهاني قدس سره الذي استطاع أن يركز ويعمق هذا النهج ليكون أساسا في باب تشخيص الأحكام الشرعية .

بداية ينبغي الالتفات إلى أمر أساسي وهو إن ما ذكره الشهيد الصدر الأول قدس سره وكذلك بعض علماء الأصول من إن سبب غموض النصوص وعدم وصولها الينا واضحة أو عدم فهمنا للنصوص كما كان شائعاً في عصر الصدور هو نتيجة لما ذكره بالقول : ولكن عوامل عديدة منها بعدنا الزمني عن عصر التشريع أدت إلى عدم وضوح عدد كبير من أحكام الشريعة واكتنافها بالغموض .

وما يريد قوله هو إن البعد الزمني عن عصر الصدور للنصوص هو الذي أوجد هذا الغموض في فهم النصوص مما يستوجب دراسة دقيقة في علم الألفاظ وحجية ظواهر هذه الألفاظ وما إلى ذلك من عناصر مشتركة سنأتي على بيانها .



ولنا على ذلك : في الحقيقة إن هذا ليس هو العنصر الأساسي في غموض النص وإنما البعد الزمني هو اثر من آثار تطويق إرادة المعصومين عليهم السلام وإرادة صاحب النص مما أوجب هذا البعد الزمني وهذا الغموض في فهم النصوص , وإلا فالإمام لا تخلو منه الأرض إطلاقا ففي كل زمان ومكان لله على الناس حجة, ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها , ومن هنا نقول إن البعد الزمني ليس هو العامل الرئيسي والغموض والإجمال في النصوص إنما هو سبب غيابنا عن صاحب النص أو بتعبير أدق تغييب صاحب النص وتطويق إرادته وتقويض كيانه من خلال القتل والذبح والتشريد والتغييب.



إذن لا يخفى بأن علم الأصول تاريخيا كان موجودا ومفتوحا وقد احتل مساحة واسعة في عصر المعصوم سلام الله عليه والدليل على ذلك ما دل عليه النص الوارد عنهم عليهم السلام : " إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " . ومعلوم إن التفريع المشار إليه في هذه الرواية ليس إلا الاجتهاد وهو استنباط المصاديق من الكبريات الكلية , وهذه العملية كانت في زمان الأئمة الأطهار عليهم السلام مثلما في زماننا هذا مع تفاوت في كثرة التفريعات , ففي ذلك الزمان كانت التفريعات قليلة ولكنها قد أصبحت كثيرة ومتعددة في زماننا وذلك لتطويق إرادة من هو المشرع في مقام التشريع , لذلك نقل عن الإمام الراحل رضوان الله عليه قال لا ريب في إن التفريع على الأصول هو الاجتهاد , وليس الاجتهاد في عصرنا إلا ذلك التطبيق الكلي على الجزئي وبعبارة منطقية تطبيق الكبريات على الصغريات كما سنوضح ذلك في المثال مثل قوله " لا تنقص اليقين بالشك ".

أصل الأحكام التي يستنبطها المجتهد هي التفريعات وليس التفريعات هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس , كلا بل هو استنباط المصاديق والمتفرعات من الكبريات الكلية ولهذا نضرب مثلا لتوضيح هذا الأمر حتى يتضح لكم بأن علم الأصول أو إن هذا المنهج كان في عصر المعصوم سلام الله عليه , ولكن يختلف عن عصرنا في القلة والكثرة للتفريعات .

ومن هنا أوضح لك العملية في باب الأصول بمثال ليتضح الأمر. إننا لما وجدنا قول المعصوم عليه السلام كما ورد في النص الشريف يقول "كل ما اسكر قليله أو كثيره فهو حرام " هنا يأتي دور الفقيه ليستنبط الكلي من هذا النص الصادر عن المعصوم عليه السلام والكلي هو كل مسكر حرام هذه الكلية يؤمنها الفقيه ويقوم بتطبيق ذلك الكلي على الجزئي , ولكن بعد الرجوع إلى الكبريات التي أعدها ومهدها الأصولي , مثل حجية الظهور , وحجية الفهم العرفي العام أو مناسبات الحكم والموضوع وغيرها كما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى .

حينما تردنا هذه المصاديق مثلا سيجار فيه إسكار ولو قليل , هنا السيجارة التي فيها المسكر ليس بخصوصها ,,وبعنوانها , وبحيثياتها , قد ورد النص فيها لأنه قد ورد في المائع المسكر وما أشبه , أما هذه السيجارة بعنوانها لم يصدر فيها النص , فيأتي الفقيه متضامنا مع الأصولي ليقول ماذا أمن لنا الأصولي,فإنه قد ضمن لنا الكبرى وهي الحجية ,وبعدئذ يمارس الفقيه دوره في استنباط الحكم في حرمة السيجار. إذن هناك عمليتان في هذا المثل:

العملية الأولى :

قام الأصولي بتأمين القواعد أو العناصر المشتركة استناد إلى النصوص القطعية أو السيرة العقلانية الممضاة أو السيرة المُشرعة كما سترى ذلك عما قريب فارتقب .

العملية الثانية :

جهد الفقيه الذي راجع النصوص والكلمات وما أشبه بدقة ناظراً ومتمعناً في السيجار الذي فيه مادة مسكرة ولم يعثر على نص خاص في المورد , حيث إنها من مستحدثات المسائل كما يروى في أمريكا أو غيرها هناك نوع من السيجار بمجرد أن تشرب منه يؤدي دور الخمر وبدور الإسكار في باب الخمر وغيره. فهنا الفقيه يأتي في هذه العملية ويقول هذا لم يأتي فيه نص فيذهب إلى النصوص فيجد " كل ما اسكر قليله أو كثيرة فهو حرام " ليقتنص منها كلياً " كل مسكر حرام " , ثم يطبق هذا الكلي على المصداق والموضوع الخارجي ليستخرج ويستنبط حكم الحرمة بالنسبة إلى هذا الموضوع الخارجي.

إذن هذه العملية كان لها روادها وقاداتها وزعمائها في عصر المعصومين عليهم السلام , لذلك هناك تفصيل لطيف في هذا المجال في زمان الحضور في القرن الثاني من الهجرة فإن هشام بن الحكم كان معروفا بحسن التحقيق والتدقيق وله كتاب الألفاظ عد هذا الكتاب من كتب الأصول وكذلك في القرن الثالث من الهجرة محمد بن أبي عمير كتب كتابا أصوليا تحت عنوان اختلاف الحديث وكذلك يعقوب بن إسحاق السكيت كان له كتاب الألفاظ والفضل بن شاذان . ولما نأتي على القرن الثالث في زمن الغيبة الصغرى نجد إن إسماعيل بن علي النوبختي كان له كتاب الخصوص والعموم والأسماء والأحكام وأيضا له كتاب إبطال القياس وهذه الكتب أصولية . ونريد أن نؤكد في هذا البحث على أهمية هذا العلم وانه كان في عصر المعصومين سلام الله عليهم أجمعين حتى يكتسب شرعية واضحة في مواجهة مدرسة الإخباريين الذين حاربوا مدرسة الأصوليين ولكنهم لم يفلحوا بل أفلح عليهم الأصوليون لأنهم كانوا يستندون إلى قواعد في ذلك و إلى رجالات كانوا في عصر المعصومين سلام الله عليهم أجمعين في القرن الرابع مثل علي بن إبراهيم القمي صاحب تفسير القمي له كتاب أصولي تحت عنوان الناسخ والمنسوخ وفي القرن الرابع محمد بن العباس بن الحجام أيضا له كتاب الأصول وان كان البعض يعتقد إنه في أصول الاعتقاد , ولكن يحتمل أن يكون كتاباً أصولياً بالمعنى الفعلي وهناك أيضا الرجال الذين أتو في القرن الخامس مثل الشيخ المفيد وهو أشهر من أن يوصف بالفقه والكلام والرواية وما إلى ذلك له كتاب صرح بعنوانه كتاب أصول الفقه وكذلك بالنسبة إلى سلار الديلمي له كتاب أصولي بعنوان التقريب في أصول الفقه . ولما نأتي إلى زمان الشيخ الطوسي نجد أنه قد برزت فيه نظريات علم الأصول ولهذا له كتاب في الأصول اسمه العدة في أصول الفقه وأيضا مسألة في العمل بالخبر الواحد وفي القرن السادس نجد أن ابن زهرة حمزة بن علي ومحمد بن إدريس حفيد الشيخ الطوسي لهم في هذا المجال كتب والقرن السابع ابن طاووس الحلي له كتاب الفوائد المعدة في أصول الفقه وأيضا المحقق الحلي صاحب الشرائع له كتاب معتبر في شرح المختصر ثم نأتي إلى القرن الثامن حيث العلامة الحلي وهو الحسن بن يوسف وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى, له كتاب أصولي أيضا ,إلى أن نأتي إلى القرون الأخرى فنجد أن علم الأصول هو حرفة العالم في كل عصر , به استطاعوا أن يبنوا الأحكام الشرعية ولولا الأصول لساخت بل ماجت كثير من الأحكام الشرعية و به حفظت قواعد التشريع والبنية الأساسية للأحكام الشرعية .

بعد هذا السير العام في رحاب هذا العلم ورجالاته اتضح لنا أنه علم مشروع وهام جدا برز فيه أكابر العلماء .ينبغي الإشارة إلى أن هناك في القرن الحادي عشر ظهرت مدرسة الإخباريين التي تزعمها الشيخ محمد أمين الأسترآبادي حاول جاهداً مواجهة قواعد وأسس مدرسة الأصوليين فهجم على أمرين أساسيين

الأمر الأول :

هجوم على الأصوليين لتبنيهم مسألة حجية العقل فحاول أن ينسف قواعد حجية العقل تحت ذريعة إن العقل ليس له أي دور في هذا المجال. المجال كل المجال هو لرواية أهل البيت عليهم السلام تبنى هذا المسلك وتبعه جمع غفير ومازال لهم رجال وأتباع وان كانوا في حال النعي والإقصاء النهائي من الوجود وبدءوا يتضاءلون تماما . إذن الموقف الأول لتبني مدرسة الإخباريين مواجهة حجية العقل.

الأمر الثاني :

واجه الأصوليين في مسألة حجية الظهورات وقالوا بأن الظهور ليس حجة بذاته وإنما الحجية لرواية أهل البيت عليهم السلام ولكن عندما نزل الوحيد البهبهاني الكربلاء وكان قد درس المقدمات في بهبهان ثم انتقل لزيارة الإمام الحسين سلام الله عليه , ودرس بعض الدروس خلال إقامته فيها, ثم توجه إلى النزوح من كربلاء إلى بهبهان فرأى الإمام الحسين عليه السلام في رؤية صادقة فقال لا تترك بلدي هذا وقم على درسك وانشر علومنا أهل البيت فوقف الوحيد البهبهاني وقوفا شامخا فاستطاع أن ينسف قواعد الإخباريين نسفا فيذرها قاعا صفصفا .ولم يبق لهذه المدرسة إلا النزر القليل من علماء الأخبار كالشيخ المجلسي والحر العاملي, والشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناظرة , وبالتالي فقد نعي له المحدث البحراني هذه المدرسة في ديباجته صريحا .

إذن مدرسة علم الأصول لم تقف على إقدامها إلا لكونها قد اكتسبت وأضفت على نفسها طابع الشرعية ببركة المعصومين عليهم السلام , "إنما علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا" , ومن هنا انطلق الفقهاء لهذا الأمر .

سر التقسيم في الحلقات إلى ثلاث :

بعد هذه المقدمة ننتقل إلى دراسة مستفيضة في الحلقات الثلاث التي كتبها الشهيد الصدر الأول رضوان الله عليه ولأجل أن يتضح لكم لماذا الحلقات الثلاث وليس كتابا واحدا.فإن يوجد كتاب الكفاية للشيخ الأخوند الخرساني وكتاب الرسائل للشيخ الأعظم الأنصاري وهكذا .أما لماذا الحلقات الثلاث فإننا سنبين لكم هذه المسألة كما هو كتب بقلمه وذلك يرجع إلى سببين :

الحلقة الأولى في الدراسة التصورية لمجمل نظريات علم الأصول:

لتبسيط المقال في علم الأصول وحل العقدة في الدراسة الأصولية في الحوزة , وان الألفاظ في كتاب القوانين والرسائل والكفاية معقدة ويحتاج حلها إلى أكثر من مدرس , وأكثر من درس , توجه إلى السيد الشهيد كتابة الحلقات تيسيراً لهذا العلم ومن هنا وقد تكفلت الحلقة الأولى الدراسة التصورية لمجمل نظريات علم الأصول ببيان عام في الفهم العام الإخطاري لمبادئ المسائل الأصولية والتصور هو حصول صورة الشيء في الذهن بينما التصديق الاعتقاد بذلك الشيء .إذن عندنا مرحلتان في هذا العلم المرحلة الأولى مرحلة التصور والمرحلة الثانية مرحلة التصديق .

في مرحلة الحلقة الأولى أراد أن يبين نظريات منهج الأصول بنحو تصوري بدون إثبات أو دليل .


الحلقة الثانية : الدراسات التصديقية والإثباتية:

الحلقة الثانية هي عبارة عن الدراسات التصديقية والاثباتية لما اكتنفته المرحلة الأولى من دراسة في التصور , و بعبارة أخرى في الحلقة الأولى ندرس علم الأصول بما هو علم الأصول , أما تثبيت ذلك والبرهنة على ذلك في مسألة أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن الضد أو ما إلى ذلك ,وكذا في مسألة إجماع الأمر والنهي . ففي الحلقة الثانية أبرز الشهيد الصدر قدس سره بعض الأدلة لتثبيت المباني فيها كما ستلاحظ ذلك عاجلاً .

الحلقة الثالثة عرض وبيان الآراء :

في هذه الحلقة تم فيها عرض الآراء وبيان ومناقشة كل من الرأيين , المثبت والنافي أي أن هناك نظراً يثبت المتبنى في المسألة , وآخر ينفي ليبلغ به الدليل إلى متبنى آخر ثم ينتهي إلى الرأي الذي يتبناه بعد تفنيد أدلة النافيين وتثبيت أدلة المثبتين طبقا للدليل .

ومن هنا فقد اتضح لك سر تعددية بحث الأصول على نظر الشهيد إلى تقسيمه إلى حلقات ثلاث , فلاحظ .

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين