الدرس الخامس : الحاجة الداعية إلى علم الأصول

اسم النشيد:: الدرس الخامس : الحاجة الداعية إلى علم الأصول

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 462

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:38:34

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الخامس : الحاجة الداعية إلى علم الأصول

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس الرابع :الحاجة الداعية إلى علم الأصول
 الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
 إنّ الحاجة التي دعت إلى تحقّق علم الأصول وكونه, هي افتقار عملية الاستنباط إلى العناصر المشتركة التي لها تمام الدخالة في كلّ الأبواب الفقهية,ولذا فإنّ هذا العلم يقوم بدور التموين اللازم لهذه العملية الشريفة,مثلا أنّه يؤمّن الحجج التي تكون المفصل الأساس في حسم النتيجة المطلوبة فقهيا,كقاعدة الظهور التي يستشهد بها في موارد الاستدلال,وعنصر حجية خبر الثقة فإذا أخبر زرارة أو حمران بن أعين أو محمد بن مسلم الطحان وغيرهم بخبر عن الإمام عليه السلام في شأن صلاة أو حجّ أو ديات أو قصاص أو ما أشبه, فإنّه يحقّق لنا حجّية هذا الخبر,وذلك عن طريق تشكيل القياس القطعي النتيجة, مثل  زرارة ثقة, وكل ثقة خبره حجة , فخبر زرارة حجة . إذن ما قام به علم الأصول هو دور تاريخي مُلحٌ لإثبات تلك الحجج في مقام الاستدلال الفقهي ,ولهذا كلما ابتعدنا عن نص المعصوم وعصره عليه السلام دعت الحاجة إلى مثل هذا العلم لأنه في عصر المعصوم سلام الله عليه تقلّ الحاجة إلى هذا العلم والى وجود العناصر المشتركة قياسا على ما هو الموجود في زماننا وذلك لأن القرب و الجوار من النبيّ و الإمام المعصوم صلوات الله عليهم يمكّنك أن تسأل من الإمام أو النبيّ عن كلّ ما يمتّ إلى عالم الفقه بصلة .بينما إذا ابتعدنا عن عصر النص فحينئذ تصبح المحاورة والكلمة والجملة والتعبير أشد تعقيداً,كما لا يخفى.
يقول الشهيد الصدر قدّس سرّه: إن الإنسان كلما كان أقرب إلى عصر التشريع وأكثر امتزاجا بالنصوص كان أقل حاجة إلى التفكير في القواعد والعناصر المشتركة لأن صاحب النص موجود أمامه, وبالتالي لا يحتاج إلى حجّية الخبر لان الإمام هو المقصود من إلاخبار عنه, فلا يحتاج إلى مزيد من المؤن لتأمين عنصر حجّية خبر ثقة, وهكذا مثل حجّية الظهور لأنّه لو استعصى فهم النص على صاحب السؤال فإنّه يمكنه الاستيضاح من الإمام مباشرة.
في زماننا هذا وما بعده تشتدّ الحاجة كلما ابتعدنا عن عصر النصوص.
يقول حمزة بن علي بن زُهرة الحسيني الحلبي صاحب الغنية " لمّا كان الكلام في فروع الفقه يبنى على أصول له , وجب الابتداء بأصوله ثم إتباعها بالفروع " وهذا يدلّل لك على مدى الحاجة والضرورة لدراسة تلك الأصول , لانّ الفروع لابدّ أن يستدل على كونها حراما أو حلالا بأصول. لذا يقول ابن زهرة رحمه الله لابدّ من الرجوع إلى تلك الأصول حتى يكون الكلام في الفروع مثمراً.
 ثمّة كلمة ينقلها السيد الشهيد عن المحقق السيد محسن الأعرجي المتوفّى سنة 1227 هجرية قمرية أي قبل مائتين سنة إلا ثلاث تقريباً وهو صاحب كتاب فقهي هامّ سمّاه( وسائل الشيعة ), وبالطبع فإنّ هذا العنوان أيضا حمله الحرّ العاملي للدورة القيمة في الحديث التي أطلق عليها( وسائل الشيعة) فإنّه قد استوعب فكرة ضرورة الرجوع إلى الأصول وكلما كان الزمان بعيدا عن عصر المعصوم اشتدت الحاجة لدراسة مثل هذا العلم ليؤمّن لنا تلك القواعد والحجج التي تساعدنا على التطبيق في الفروع , وبالتالي نخرج بحصيلة للأحكام .
يقول رحمه الله: أين من حظي بالقرب ممّن ابتلي بالبعد حتّى يدّعى تساويهما في الغنى والفقر , كلا إنّ ما بينهما ما بين السماء والأرض فقد حدث بطول الغيبة وشدّة المحنة وعموم البلية ما لولا الله وبركة آل الله آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين لردّها جاهلية . فسدت اللغات وتغيرت المصطلحات وذهبت قرائن الأحوال وكثرت الأكاذيب وعظمت التقية واشتدّ التعارض بين الأدلة حتى لا تكاد تحصل على حكم يسلم منه مع ما اشتملت عليه دواعي الاختلاف , ثم يقول: وكفاك مائزا بين الفريقين قرائن الأحوال وما يشاهد في المشاهدة من الانبساط والانقباض , فإنه لابد له من الإعداد حتى يصل إلى ما يتناول من بين مشتبك القنا .
إذن حال الباحث للوصول إلى الأحكام , حال من هو يتناول من بين مشتبك القنا .
 بعد أن عرفنا الحاجة إلى علم الأصول و أنّها حاجة تاريخية حينئذ يلاحظ الفارق الزمني بين ازدهار الأصول لدى السنة والأصول لدى الشيعة , نجد أنّ الأصولي السني سبق الأصولي الشيعي وكثرت النظريات عندهم, وأصبحت لهم المدارس والتصانيف والتآليف في ذلك الوقت, والسبب هو أنّ النص عندهم قد انقطع بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم .فدعت الحاجة إلى أن يدرسوا علوما تؤمّن لهم معرفة الأحكام الشرعية , فلذلك  ذهب قوم منهم إلى مذهب القياس , وآخر إلى مذهب الاستحسان , وثالث إلى مذهب الاجتهاد أي العمل بالرأي ولذا كان معروفا عندهم الاجتهاد في عرض الكتاب والسنة النبوية وما قاله أبو حنيفة .
بينما استمرت مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين من غير حاجة إلى تكثير التأليف والتصنيف ما دام الإمام عليه السلام موجودا بقوله وفعله وتقريره , مع ذلك أُلفت رسالات وان كانت نادرة وقليلة في علم الأصول, مثل رسالة هشام بن الحكم في الألفاظ وهي رسالة أصولية .لهذا بدأ علم التصنيف يزداد عند الشيعة في عهد الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى وتلميذه الشيخ الطوسي  ,وصلت التصانيف والتآليف في عهدهم إلى حدّ مهمّ جدّاً ومن هنا نجد بأن السيد مرتضى ألّف كتاب سماه الذريعة, ثم انتهت الزعامة إلى الشيخ الطوسي سنة 460 هجرية قمرية وقد ألف كتابا اسمه العدة في الأصول واستطاع بهذا أن يفتح حال كونه زعيما وقائدا ورائدا لعلم الأصول , و قد تطورت معه النظرية والتطبيق .
الشيخ الطوسي كان رائداً في علم الأصول وعلم الفقه , لقد ألف في الأصول كتاب العُدّة, وفي الفقه وفي أواخر أيامه ألف أفضل وأعظم كتاب وهو كتاب المبسوط  واستطاع فيه أن يجمع بين العناصر المشتركة وبين العناصر الخاصة ولهذا وضع حداً بين العلم التمهيدي والعلم الكامل وجسد القدرة الشيعية والتطاول و التكابر على كلّ مدارس الباطل بقوة علوية, لمّا نزل في النجف وبقي 12 سنة ثم توفّي بعد أن كان في بغداد, وخلال وجوده في النجف استطاع أن يؤسس مدرسة تاركا بصماته و آثار بركاته إلى يومنا هذا .
 لابدّ من دراسة مستفيضة لما دوّنه شيخ الطائفة في كلماته وفي كتبه,ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى ما ذكر في كتاب المبسوط الذي يعبر عنه الشهيد الصدر كتاب الفقه العظيم ويقول فيه الشيخ الطوسي " إني ما أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقه والمنتسبين إلى علم الفروع يستخفون بفقه أصحابنا الامامية وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل ويقولون عنهم إنهم أهل حشو ونقص وانّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول لان جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين , وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمّل لأصولنا , ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليها عن أئمتنا عليهم السلام , الذين قولهم في الحجّة يجري مجرى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم, وأما ما كثّروا به من كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله فرع في أصولنا ومخرج على مذاهبنا لا على وجه القياس كما هم يعملون , أو كما هم يدينون بل على طريقة توجب علماً يجب العمل عليها ويسوغ المصير إليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير ذلك". بينما نحن على أصول مذهبنا ومباني قواعدنا نجد أنّ النصوص المستفيضة هي التي أمّنت لنا الوظيفة, وإذا لم يكن هناك دليل فأمامنا الأصل الأصيل ,هذه هي الأصول التي يعتمد عليها أشياع أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين .
بعد أن استطاع الشيخ الطوسي أن يركز قواعد علم الأصول وعلم الفقه بالجمع بين النظرية والتطبيق. وقد أخذ الشيخ الطوسي تراثاً كان يعتمد الأصول  فقط يعني الرواية والنقل, وحاول أن يطور علم العناصر المشتركة من خلال تلك الروايات .
وكانت مدارس الأخبارية كالكلينيّة و الصدوقيّة يعتمدون على المأثور حتى أنّك تلاحظ في كتب روايتهم فتواهم بالرواية ,بينما يقوم المجتهد بصياغة المسألة بلفظ هو يرتأيه بما يتوافق مع المستندات والوثائق الروائية .
الشيخ الطوسي أراد أن يفتح بابا جديداً هو باب التوسعة في فهم المأثور وأستطاع أن يأخذ من المأثور ويفرز منه العناصر المشتركة . ومن هنا نقول إنّ الفتح الذي قام به الشيخ الطوسي من النقلة من الاختصار على أصول المسائل ونقلها بالمأثور إلى تطبيق واستلال القواعد هو فتح يسجّل لرائده الفاتح رحمه الله.
لقد شهد الشيخ الطوسي في حياته اضمحلال نمو علم الأصول لأسباب كثيرة نذكر منها فتنة الكرخ بين السنة والشيعة , بسبب أنّ بعض الموالين-كما يروى- وضع قطعة صغيرة في سوق الكرخ مكتوبا عليها " عليّ خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر " وكردّ فعل من المتطرفين قاموا بحرق اللافتة,الأمر الذي أوقع فتنة سالت فيها الدماء حتى انسابت إلى نهر الدجلة, وهجموا على الشيخ الطوسي والقوا بتراثه وكتبه في نهر الدجلة حتى تحول ماء النهر إلى ماء الحبر, فاضطر أن يرحل من بغداد إلى النجف.
 هذه المسألة المهمة وقفت أمام نموّ حركة الأصول,وبما أنّه طاب ثراه كان مشهودا له بجامعيته للمعقول والمنقول فقد  أعطاه الخليفة العباسي المسمى بالقائم بأمر الله , كرسي الإفادة والعلم , وهو كرسي كان ينصب بجانب كرسي الخليفة, وهذا لا يعطى إلا إلى نادرة الدهر في ذلك الوقت .
وأمّا تلامذته في بغداد فقد بقوا فيها ما عدا اثنين وهما حسين الهمداني والآخر الحسن بن بابويه القمي , وكانوا يُعتبرون من كتبة الشيخ,الأمر الذي ساعد على نمو الحركة العلمية الناهضة في عصر الشيخ الطوسي .
 لقد استمرت مدرسة الشيخ الطوسي قرنين من الزمان لا يستطيع أحد أن يمسّها بسوء, وكان العلماء يرون أنفسهم مقلدة للشيخ الطوسي ولهذا يروى عن الحمصي وهو ممن عاصر تلك الفترة أنه قال لم يبق للأمامية مفتي على التحقيق , بل كلّهم حاك,بمعنى كل من جاء من بعده يحكي ما أفاده الشيخ وأملاه.
 ينقل الشهيد الصدر بأن الشيخ رأى في المنام أمير المؤمنين عليه السلام, فسأله عن كتابه( النهاية) فأجابه: صحيح كله . وأيضا هناك سبب آخر أدّى إلى اضمحلال علم الأصول, وهو انشغال الشيعة بالردّ على نموّ المذاهب والكتب الأخرى للمبتدعة وهذا هو أحد العوامل المبتلى بها في كلّ العصور حيث الانشغال بالردود وإهمال الإبداع بدرجة ما عن الإبداع بالانجازات العلمية .
هناك حقيقة أساسية وهي أنّ التفكير لدى العامّة قد انتهى وانسدّ الباب, ونعي عندهم باب الاجتهاد كليّا في القرن الخامس والسادس الهجري , وحاول الغزالي المتوفّى في القرن السادس أن يفتح باب الاجتهاد ولكنّه لم يستطيع قائلا: أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه , لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما .
وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة تامّة عدد ما في علمه ودوام ملكه.