الدرس السابع : عصور الإبداع الأصوليّ ورجالاته

اسم النشيد:: الدرس السابع : عصور الإبداع الأصوليّ ورجالاته

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 753

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:42:12

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس السابع : عصور الإبداع الأصوليّ ورجالاته

جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره 
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس السابع : عصور الإبداع الأصوليّ ورجالاته
الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
هناك نصّ سطّره يراع المحقّق البهبهاني قدّس سرّه يصوّر فيه ضراوة الصراع بين الأصوليين والأخباريين,جاء فيه " لما بعُد العهد عن زمان الأئمة وخفت أمارات الفقه والأدلة على ما كان المقرّر عند الفقهاء والمعهود بينهم , بلا خفاء بانقراضهم , وخلو الديار عنهم , إلى أن انطمس أكثر آثارهم كما كانت طريقة الأمم السابقة والعادة الجارية في الشرائع الماضية,إنّه كلّما يبعد العهد عن صاحب الشريعة تخفى أمارات قديمة وتحدث خيالات جديدة إلى أن تضمحلّ تلك الشريعة.
توهّم متوهّم أنّ شيخنا المفيد ومن بعده من فقهائنا إلى الآن كانوا مجتمعين على الضلالة مبدعين بدعا كثيرة,متابعين للعامّة مخالفين ومغيّرين لطريقة الخاصّة مع غاية قربهم لعهد الائمة ونهاية جلالهم وعدالتهم ومعارفهم في الفقه والحديث وتبحّرهم وزهدهم وورعهم.. إلى آخر كلامه رفع مقامه,أقول:ما ذكره ألاخباريون من قولهم هذا على ما نقله الوحيد هو توهّم فاسد لانّ الأوائل قد أسّسوا وأصّلوا أصولا تخدم الطائفة , وتؤمّن لهم المشتركات الأساسية لمعرفة الأحكام الكلية .
الأمر الذي يدعو إلى الحاجة التاريخية إلى علم الأصول لتموين علم الفقه بالأدوات اللازمة في ممارسة الاستنباط الصحيح والدقيق للأحكام,وقد بيّنا فيما سبق تلك الضرورة. هذه العملية-ولمزيد التأكيد-تتطلّب بذل الجهود المضنية والمتضامنة في أمرين:
الأمر الأول : بيان العناصر المشتركة التي تكون دخيلة في كلّ أبواب الفقه.
الأمر الثاني: ملاحظة العنصر الخاص وهي دراسة كلّ رواية بخصوصها وحيثيّاتها في هذا الباب فحسب.
الفكر العلمي التاريخي للبحث الأصولي :
لقد مرّ الفكر العلمي بثلاثة عصور :
العصر الأول :
العصر التمهيدي ورائده ابن أبي عقيل وابن الجنيد الذين وضعوا البذور الأساسية للتفكير بالنص , حتى يتمكّن النّاس من معرفة الأحكام في الموضوعات المستحدثة والجديدة والمبتلى بها .
العصر الثاني :
 عصر العلم وهو الذي اختمرت فيه تلك البذرات, وقد نمت على يد فحل هذه الطائفة بالإجماع وهو الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي أعلى الله مقامه . ورجالات التجديد النظري والعملي الذين جاؤا من بعده مثل ابن إدريس الحلي والمحقق الحلي والعلامة والشهيد الأول .
العصر الثالث : عصر الكمال العلمي وهو العصر الذي أُفتتح على يد المجدّد والمواجه للمدرسة الأخبارية الشيخ محمد باقر البهبهاني طابت تربته. خلال هذه الفترة نبغت في مدرسة الوحيد نوابغ عظيمة من تلامذته مثل السيد مهدي بحر العلوم والمتوفّى سنة 1212 هجرية قمرية , والشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1227هجرية , وأبي القاسم القمي المتوفى 1227 , والسيد عليّ الطباطبائي ت 1221 هجرية , والشيخ أسد الله التوستري ت سنة 1234 هجرية.
 ثم جاء الجيل الثاني الذين تتلمذوا على يد بعض هؤلاء المذكورين مثل شريف العلماء محمد شريف بن حسن عليّ ت سنة 1245 والسيد محسن الأعرجي ت سنة 1227 , والمولى أحمد النراقي صاحب كتاب جامع السعادات والمتوفّى سنة 1245 هجرية  ,والشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الدورة الفقهية ذات 43 مجلد كلّ مجلد لا يقلّ عن 400 صفحة والمتوفّى سنة 1266 هجرية . هؤلاء قد جعلوا من مدرسة الأصول المدرسة الرسمية للطائفة الشيعيّة في عهد الغيبة الكبرى.ولا يخفى أنّ الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفّى عام 1281 يعتبر رائدا لأرقى مرحلة من مراحل العصر الثالث وهي المرحلة التي يتمثّل فيها الفكر العلمي حتّى يومنا هذا.
هناك مصادر للإلهام بالنسبة إلى الفكر الأصولي , ونعني بالمصادر الإلهامية لهذا الفكر الذي يقوم على أساس استنباط تلك القواعد  وتطبيقها على الأحكام, أنّ الفقيه تنكشف لديه من خلال البحث  الفقهي التطبيقي ,المشاكل العامة في عملية الاستنباط . ثمّ يقوم علم الأصول عندئذ بوضع الحلول المناسبة , وبذلك تتعّمق الرؤية عند الفقيه والأصولي , مثلا إنّ الأصولي درس مسألتين فوجد بينهما بعدا مع أنّ المسألتين في بحث الأصول من واد واحد:
 المسألة الأولى:
 إنّه إذا كان الشيء واجبا , فمقدمته تكون واجبة . مثاله الصلاة , إذا وجبت وجب الوضوء , لأنّه لا صلاة بدون وضوء .ولمّا درس الفقيه هذا النص وجد بأنّ مقدمة الواجب يؤتى بها في ظرف الواجب , يعني يجب الوضوء في ظرف وجوب الصلاة ودخول الوقت , أما قبل الآذان لا يكون الوضوء واجبا , لانّ الصلاة لم تكن واجبة .
 ثم درس نصّا آخر وهو أنّ الصوم واجب, وبدؤه من طلوع الفجر إلى الغروب الشرعي , ورأى أنّ الاغتسال من الجنابة لابدّ أن يكون مقدّمة للدخول في الصوم. إذ لا يصحّ أن يكون الصوم من غير أن يكون متطهراً.
هنا وقع الأصولي في مسألة وهي أنّه إذا كان الشئ واجبا فمقدمته تكون واجبة , وأنّ الاغتسال مقدّمة لصحة الصيام , فلماذا لا يكون الاغتسال في ظرف وجوب الصوم . بل يجد أنّ وجوب الغسل قبل حلول الصوم . هنا بدأت الدراسة الأصولية تتبحّر في هذه المسألة وتعالج هذه القضية,وكان أوّل بحث فقهي استطاع أن يكشف عنه ابن إدريس في السرائر وإن لم يوفّق لعلاجه,وعلى أيّ حال فقد وجدوا أنّ هذه من عناوين المقدمات المُفوّتة, لأنّه إذا لم يكن هناك غسل فإنّه يفوت بفواته الواجب, فتكون هذه من ضمن عناوين المقدّمات المفوّتة .
المسألة الثانية : لعب علم الكلام دورا مهمّا في تموين الفكر الأصولي,وبالخصوص في عصر ابن أبي عقيل,وعصر الشيخ الطوسي,مثال ذلك نظرية الحسن والقبح التي هي من نظريات علم الكلام. إنّ الظلم قبيح,والعدل حسن,إن كلّا من الأمرين هما من المستقلّات العقلية, ولا تحتاج إلى بيان شرعي . يعني لو لم يرد دليل من المعصوم عليه السلام في مورد الظلم  والعدل لحكمنا عقلا , بقبح الظلم وحسن العدل ,ولذلك سارت الأمم على هذه القاعدة.ومن اللافت للنظر:أنّ هذه النظرية استخدمت أصوليا في العصر الثاني لحجّية الإجماع,أي أنّ العلماء إذا اتّفقوا على رأي واحد فهو الصواب,بدليل أنّه لو كان خطأ لكان من القبيح عقلا سكوت المعصوم عليه السلام عنه وعدم إظهاره للحقيقة.
إذن نجد أنّ المدرسة الأصولية استفادت متطلّعة من هذا العلم وغيره.كما أنّها استمدّت من المدرسة الفلسفية, وخصوصا على يد رائدها المجدّد صدر الدين الشيرازي المتوفى سنة 1050, استفادوا من نظرياته في مسائل كثيرة خصوصا مسالة أصالة الوجود وأصالة الماهية,واجتماع الأمر والنهي,ومسألة تعلّق الأمر بالطبائع أو الأفراد.وكذلك الظروف الموضوعية هي الأخرى ساعدت على تقدّم الفكر الأصولي. بمعنى أنه كانوا بحكم قربهم من عصر النصّ يجدون الدليل ميسّرا لهم فيما يواجهون من الوقائع والحوادث,على أساس أنّ اللطف الإلهي الواجب يجعل على كلّ حكم شرعي دليلا واضحا ما دام الإنسان مكلّفا والشريعة باقية .
كذلك بالنسبة إلى العامل الزمني نجد أنّ هذه العصور التي مرّت بها المدرسة أدّت إلى نوع من بروز المشاكل نتيجة البعد عن عصر النصوص,وفيما ظهرت في هذه الفترة الممتدّة مسألة حجّية الخبر الظني,وعلى أثر ذلك برزت مدارس عديدة,منها مدرسة ادّعت سدّ باب العلم-كما هو المعروف عن الميرزا القمي- لانّ الأخبار ليست قطعية,وانسداد باب الحجة,لأنّه لا دليل شرعي على حجية الأخبار الظنية,وبقي هذا البحث إلى يومنا هذا. وكذلك العنصر الإبداعي فإنّنا نجد  الأصولي قد حاول أن يدرس الروابط والعلائق بين الأوامر والنواهي الشرعية من الجهة التكليفية وبين الأحكام الوضعية . مثلا إذا نهى المولى عن المعاملة بقوله:لاتبع وقت النداء لصلاة الجمعة. هنا حاول أن يدرس نوع الارتباط بين النهي " لا تبع " وبين بطلان المعاملة , وبعد دراسة الأصولي لنوعية العلاقة بين البيع والبطلان,فإنه قدّم بذلك عطاء ثريّا في خضمّ هذه الحوادث والوقائع والتي أسهم أرباب المدرسة الأصولية في حلحلة الكثير منها.
 ثم إنّه لعلم الأصول دور آخر في الإبداع وهو أنّه استطاع أن يساهم مساهمة جادّة في تطوير الفكر البشري.فقد دخل هذا العلم في مجال نظرية المعرفة وأثراها بما يملك أيّما إثراء. وقد ألّف الشهيد الصدر كتابا يعدّ من الكتب الرائعة في نظرية الاستقراء , وهو كتاب الاستقراء , ودرس في هذه النظرية المعرفة وكيف يتوصّل الإنسان من الاستقراء إلى المعرفة الكاملة,  وهذا لم يكن قد وُجد في الفلسفة الأوربيّة وكذلك في مجال فلسفة اللغة. والذي لفت نظري-كما قال السيد الشهيد- بأنّ المناطقة الرياضيين توجّهوا إلى المنطق , أي إرجاع الرياضيات إلى المنطق , وأرجعوا المنطق إلى اللغة . يعني حتّى الدراسة في علم الرياضيات تفتقر إلى شيء أساسي وهو إرجاع هذه العلوم إلى المفردات اللغوية, وبالتالي تشكيل المصطلحات , وفهم المصطلحات يعين على فهم ذلك العلم , وفهم المصطلحات يتوقّف على فهم دراسة اللغة , ودراسة اللغة التي أبدع فيها الأصولي وكان هو السبّاق . ومن هنا نرى أنّ "برنارتد رسل" الذي كان رائد الاتجاه الحديث قد تحيّر في الفرق بين التعبيرين " مات قيصر " و " موت قيصر " حاول أن يدرس المفردات اللغوية ومنها قضية هذا التعبير فلم ينتهي إلى نتيجة وإنّما يعلّق على مشكلة التمييز المنطقي بين الجملتين فيقول في كتابه أصول الرياضيات , ترجمة الدكتور محمد موسى أحمد ودكتور احمد فؤاد الاهواني يقول في كلمته " لست أدري كيف أعالج هذه المشكلة علاجا مقبولا " .
ومن هنا تعرف أنّ العلوم بالتالي ترجع إلى أمّهاتها وأصولها, والأصوليون هم الذين برزوا في دراسة المفردات اللفظية,ولذلك عندما نقرأ في كتاب الألفاظ نرى أنّهم درسوا هيئات اللفظ , ووضع اللفظ , والمشتق, ودلالة  اللفظ كالأمر على الوجوب , وهل يدلّ على الفور أم على التراخي,أم لا هذا ولا ذاك , كما هو الحال بالنسبة إلى مفردة العام والمطلق وغيرهما.
 أتى الشيخ الأخوند محمد كاظم الخراساني قدّس سرّه بنظرية عجز الأوربيون إلى يومنا هذا عن حلّها وهو التفريق بين الطلب الحقيقي والطلب الإنشائي, مثلا عندما يتمّ عقد الزواج بين شخص وامرأة , يشترط أن يكون طرف الإيجاب , الزوجة, تقول له زوّجتُك نفسي وهو يقول قبلت . هذا التعبير هل هو إخبار أو إنشاء؟وبالملاحظة نجد أنّ هذا الأمر قد يعجز عن حلّه المجامع المختصّة بالعلوم,كما في مثال صيغة النكاح وغيرها من الصيغ. لأنّه إذا كان إخبار فلن يكون الطرف الآخر ملزما بأدائه ولا يترتب أيّ أثر على ذلك, بحجّة أنّ هذه الصيغة  في مقام الإخبار, أمّا إذا كان قاصدا الإنشاء يعني إيجاد الشيء حالا,فإنّه يقع صحيحا, فهي لمّا تقول زوجتك نفسي يكون ذلك بصيغة الإنشاء,إذ لو كان بصيغة الإخبار لبطل العقد. ولذلك لابدّ أن يكون بصيغة الإنشاء الفعلي أي إيجاد هذه العلاقة بالفعل.وحينما يقول قبلت فإنّه يقصد به وقوعه بالفعل,لا أنّه يقصد الوقوع من قبل أي في الزمان الماضي,وهذا إن دلّ على شئ فإنما يدلّ على براعة مفكري أصحاب هذا النّهج الشريف.وفتح الباب أمام المجالات الأخرى من العلوم والعلماء,فلاحظ..              
وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين صلاة تامة عدد ما في علمه والحمد لله أوّلا واخرا .