الدرس الثالث : الارتباط بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي

اسم النشيد:: الدرس الثالث : الارتباط بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 581

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:34:12

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الثالث : الارتباط بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس الثالث : الارتباط بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
ثمّة ارتباط وتفاعل بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي , سيتبيّن ذلك من خلال الواقع المعاش في التطوّر النظري الملحوظ في عالم الطّب , ففي سابق عهده  كان الطب يعتمد على أصول ودراسات معينة , وكذلك على التطبيقات المحدودة على تلك الدراسات, ولكن أصبحت الحاجة في هذا اليوم أكثر دقة من ما مضى وذلك لحصول التطور في النظريات والتقدّم الهائل في التطبيقات , وقد يقال أن الطبيب سابقا كان يكتفي بفحص نبضات القلب وما أشبه ومن ثمّ يوجد العلاج, بينما اليوم أصبحت المدرسة الطبية تعالج المريض بمنهجية تختلف عن المنهجية السابقة , وذلك من خلال الفحوصات أو من خلال ما يعرف بالجهاز المغناطيسي أو ما إلى ذلك, ومن خلاله يدرسون الارتباط بين كل هذه الأجهزة والأوعية والشبكات ثم يجدون العلاج المتناسب بعد تلك التشخيصات. كذلك الأمر بالنسبة إلى علم الأصول فإنه نظرا لحدوث حالات كثيرة وتشعّبات عديدة تتطلّب منّا مزيدا من الدقة على المستويين , النظري و التطبيقي لابدّ لعلم الأصول أن يجيب على هذه التساؤلات ليكون علما وافيا بالمطلوب .
فمن الأسئلة المطروحة هي أنّه ما الدليل على حجيّة الخبر؟
ما هو الملزم لتفسير النص الشرعي على ضوء الفهم العرفيّ العام ؟
وما هي الطريقة المتّبعة في علاج التعارض بين النصوص؟وما هي الألفاظ التي تدل على الوجوب والإلزام,أو الحرمة والترك وما إلى ذلك؟
إلى عشرات الأسئلة التي يتكفل بالإجابة عنها علم الأصول . إذن من خلال هذا نفهم الحاجة الأكيدة للانفتاح على هذا العلم والإبداع في مجاله لوضع النظريات ثم تقديمها إلى عالم التطبيق وإعمال المهارة في ميدانه.
دراسة دقيقة لمفهوم الاجتهاد:
ظهرت ومن زمن طويل مخالفة شديدة وعنيفة  من لدن بعض فحول وعلماء هذه الطائفة على كلمة الاجتهاد,وعليه فلابدّ من إجراء دراسة دقيقة نتعرف من خلالها على مشروعية هذا العلم,  فنقول إنّ عملية الاستنباط ليست جائزة فحسب, بل هي ضرورة في عهد الغيبة للمعصوم عليه السلام بالخصوص نشأت هذه الضرورة من واقع تبعية الإنسان للشريعة , والتبعية تُلقِي بظلالها على عمله . إنّه ماذا يفعل إذا واجه مسألة من المسائل أو موضوعا من الموضوعات, ولكن بحسب الظاهر أن هناك كراهة وبغضا لدى البعض لمفردة الاجتهاد , والتي نبعت من المشكلة التي وقع فيها الأخباريّون وجمهرة من القدماء في تعريف الاجتهاد , لان هذا المصطلح مرّعلى طول التاريخ بتعريفين وكان احد هذين التعريفين- والذي اوجب الكراهة لهذا العلم-  التعريف الذي كان عليه الاجتهاد,حيث أنّ الأساس الذي تبناه أصحاب المذاهب الأربعة وبالتحديد أبو حنيفة فإنه كان عبارة عن العمل بالرأي عند فقد الدليل , هنا المشكلة وهي أنّ الاجتهاد إذا كان عبارة عن الرأي فيما إذا فقد النص من الكتاب والسنة فيضطر صاحب هذا المذهب أو هذه المدرسة أو تلك, إلى إعمال الرأي ,أي يعمل برأيه وفهمه للتشريعات ,هذه التعريفات للاجتهاد هي التي جعلت أكابر علمائنا الذين فهموا الاجتهاد بما ذكرنا من تعريفه عند جمهور العامّة,لذا وقف أمام هذه المدرسية الأصولية –التي تتبنّى المعنى الآخر للاجتهاد الذي يجئ بيانه قريبا-وممّن صعّد المعارضة والمواجهة  الشيخ الصدوق وكذلك جمهرة من العلماء الآخرين الذين صنّفوا المصنّفات والكتب للرّد العنيف في بعض الحالات. مثلا هناك كتاب صنفه عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري اسمه الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس ,  وأيضا هلال المدني ألف كتابا وهو( الردّ على من ردّ على آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول) وكذلك الشيخ الصدوق الذي جابه بطريقته من خلال قضية ما وقع بين موسى والخضر على نبينا وآله وعليهم السلام ,بقوله" إن موسى مع كمال عقله وفضله ومحله من الله لم يدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر حتى اشتبه عليه وجه الأمر بذلك". فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله القياس والاستدلال والاستخراج , كان من دونهم من الأمم أولى بألّا يجوز لهم ذلك وكيف يصلحون  , فإذا لم يصلح موسى للاختيار مع فضله ومحله فكيف تصلح هذه الأمة أو رجال هذه الأمة لاستنباط الأحكام الشرعية واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة .
والشيخ المفيد أيضا سار على هذا النهج فكتب كتابا اسماه "النقض على ابن جنيد في اجتهاد الرأي" , وكذلك السيد المرتضى الذي صرّح بأن الاجتهاد باطل وانّ الأمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن والرأي و الاجتهاد . نفهم من كلّ هذه المعارضة بالشكل الدقيق إنها لم تقف أمام الاجتهاد بالمعنى الذي عليه الأصولي وإنما هي وقفت أمام الاجتهاد بالمعنى الذي عليه علماء المذاهب الذين فسروا الاجتهاد , أو فهم من خلال ممارستهم أنّ المراد به إعمال الرأي وإذا كان كذلك حقّ هؤلاء أن يقفوا أمام هذه المدرسة التي تفسر الاجتهاد بالرأي , أما نحن فنفسر الاجتهاد بأنه استفراغ الوسع في مجال المدارك المقرّرة.فهو إذن استفراغ الوسع في معرفة الحكم من الأدلة لا إننا نعمل بالرأي والاستحسان والقياس, فهذه الحملة هي التي شجعت كثيرا من الأخباريين لمواجهة مدرسة الأصوليين , لأن الأخباريين ظنوا بل اعتقدوا بأنّ مدرسة الأصوليين هي مدرسة الرأي, والحال إنّ الأصوليين لم يتبنّوا المعنى الذي فهمه هؤلاء الأجلاء ,ولهذا قام المحقق الحلي أعلى الله مقامه في كتابه المعارج بمواجهة تلك المدرسة التي وقفت ضد الأصوليين وتفسيرهم الخاطئ للاجتهاد .
قال في حقيقة الاجتهاد: هو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلة الشرع اجتهادا.تأمّل قوله (من أدلة الشرع ), لا انه ينفرد برأيه في قبال النص , وإنما هو يعمل ما بإمكانه لفهم النص واستخراج الحكم من النصوص , ثم قال فإن قيل يلزم على هذا أن يكون الامامية من أهل الاجتهاد, من أهل الرأي , يعني قلنا الأمر كذلك ولكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الاجتهاد , فإذا استثني القياس و أبطلنا القياس وما عليه أصحاب المدارس أو المذاهب الأربعة من الأخذ به والاستحسان وغيرهما, كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس منها ما ذكر.
 إذن وقف المحقق الحلي وقفة علميّة لإثبات حقّ هذه المدرسة , ومن هنا نقول الكلمة التاريخية ليتبين إننا ندرس الاجتهاد الذي هو في خدمة النص لا الاجتهاد الذي هو يولد مدرسة الرأي , بينما كان الاجتهاد مصدرا للفقيه يصدر عنه ودليلا يستدل به كما يصدر عن آية أو رواية أصبح في المصطلح الواقعي الصحيح يعبّر عن الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعي من أدلته ومصادره , فلم يعد مصدرا من مصادر الاستنباط بل هو عملية استنباط الحكم.مرّة أخرى نؤكد-لأهمية هذا الموضوع,إنّ الاجتهاد ليس مصدرا من مصادر التشريع,بل هو عملية آلية لاستنباط الحكم الشرعي من مصادره هذه هي الممارسة المشروعة , من هنا يكون الفرق جوهريا بين ما فسّر به الاجتهاد على انه هو الرأي, وبين ما فسّر به الاجتهاد  الذي هو عملية الاستنباط من الأدلة , لا أنه في عرض الأدلة أو في طولها, وإنما هو في خدمة الأدلة , هو خادم ليحرك هذه الأدلة فيخرج من بعد تحريكه الحكم الشرعي .هذه مسألة هامّة أردنا بيانها باختصار ليرتفع الإشكال وينتظم الحال تخلّصا من القيل والقال .
وعلى ما بيّنا نلاحظ إذا كان الاجتهاد والاستنباط بهذا المعنى , فإنّه وبمقتضى العبودية لابدّ من تحديد الموقف العملي في كل مسألة مسألة,و في كل حدث وواقعة , وحينئذ يكون الاجتهاد بهذا المعنى الذي بيناه يكون ليس فقط من الجائز, بل يكون ضروريا وحتميا لأنه يعيّن للعابد والسالك كل الوظائف العملية اتجاه المولى تبارك وتعالى .
على ضوء ذلك يمكن أن نفسر موقف جماعة من المحدثين الذين عارضوا الاجتهاد وشجبوا علم الأصول فإن هؤلاء استفزّتهم كلمة الاجتهاد , كانوا يتصورون ومازالوا بأن الأصولي يعمل برأيه لان المذاهب السنية الأربعة قد اعتمدت الرأي , فظنوا أن مدرسة الأصول تقوم على هذا الأساس ,فما هو الوجه في هذا الاستفزاز , أو ما هو الوجه في هذه الحركة النشطة التي مارست أبشع الأساليب في بعض أطوارها, أو في بعض أدوارها,  كما يشير ذلك الشهيد الصدر " واجهت عملية الاستنباط هجوما مريرا من هؤلاء باسم الهجوم على الاجتهاد وتحمّلت التبعات التاريخية لهذه الكلمة" .
 إذن اتضح لنا بعد هذا البحث بأن الاجتهاد هو استفراغ الوسع لمعرفة الحكم من الأدلة, فأي محظور في هذا المعنى إذا لم نقل بأنّ العقل قاطع بضرورته,فضلا عن الشرع , وذلك لأنني إذا لم أعرف الحكم , من أين يتمّ تأمينه ؟  أسأل من الفقيه . الفقيه من أين يؤمّن لي ذلك,فإنه يقال من الأدلة وهو المطلوب, هذا المعنى ضروري وإلا لتعطّلت الأحكام , وتهدّم أساس التشريع , ولبارت كثير من العبادات والمعاملات. وبالتالي نقع في دائرة الفراغ المطلقة, وتكون العبودية منثلمة . هذه هي الأسس التي يجب التفات إليها .
- الوسائل الرئيسية التي يعتمد عليها علم الأصول :
عرفنا العناصر المشتركة و العناصر الخاصة . يقع السؤال التالي: ما هي وسائل الإثبات التي يستخدمها الأصولي لكي ليثبت بها حجية الخبر , أو حجية الظهور العرفي أو حجية غيرهما ؟
 فالقول بأنّ خبر الثقة حجّة , ما هي الأدلة التي استند إليها لتأمين الحجّية ؟
وما هي الوسائل الاثباتية-على سبيل الفرض- المستخدمة في العلوم الطبيعية لاكتشاف قوانين الطبيعة ؟ الجواب هي التجربة . إذن اعتمدت نظريات العلوم الطبيعية على التجربة فصار لها وسيلة إثبات . بالنسبة إلى علم النحو ما هي وسائل الإثبات التي يستخدمها النحوي لاكتشاف قوانين إعراب الكلمة وتحديد الحالات من الرفع والنصب والخفض ؟
الوسيلة الرئيسية انه ينقل عن المصادر الأصلية , وأبناء اللغة الذين كان يسافر إليهم أمثال سيبويه , ويتعلم منهم أصول تلك اللغة . إذن لابدّ لعلم الأصول من مثبتات يستند إليها في عملية التقرير.
الوسائل التي  يعتمد عليها عالم الأصول :
- الوسيلة الأولى : البيان الشرعي .
- الوسيلة الثانية  : الإدراك العقلي .
يمكن القول إنّه بهاتين الوسيلتين نفترق عن الأخباريين وغيرهم ,وذلك لانّ الأصولي يمارس وظيفة شريفة باستنباط الحكم من الأدلة,لأنه يعتمد على وسائل أساسية لإثبات هذه الحجج .حجية خبر الثقة , حجية الظهور العرفي,وحجية الخطابات العامة ,وحجية العام الذي لم يقيّد بخاصّ معين .والسؤال هو انه هل يوجد بيان شرعي  في هذا الخصوص بأن الخبر حجة أو ملزم ؟فانا نقول بأنه إذا استطاع أن يجيب على السؤال بالإثبات, فحينئذ وسيلته الاثباتية أنه ما اعتمد عليه من الدليل في إثبات حجية الخبر , وإذا نفى , انتفت عملية الاستنباط في هذا المجال بالكلية . إذن لابدّ من ملاحظة أنّ هذه الحجية للأخبار وللظهور قد اعتمدت على أمرين:
 أوّلا : البيان الشرعي وهو الكتاب والسنة .
نقصد بالبيان الشرعي الذي هو أحد الوسائل الرئيسية , أوّلا: الكتاب أوالقرآن الذي انزل بلفظه ومعناه , على سبيل الإعجاز وحيا على أشرف المرسلين صلّى الله عليه وآله. ثانيا: السنّة وهو كل بيان صادر عن الرسول صلّى الله عليه وآله, أو أحد الأئمّة المعصومين عليه السلام بحسب ما ذكره السيد الشهيد .ولنا على هذا التعبير من الناحية الفنية انه كان الصحيح أن يقال أو أحد المعصومين لأنه تقييده بأحد الائمّة المعصومين إخراج للصديقة الكبرى سلام الله عليها وبلا إشكال الصديقة الكبرى داخلة في آية التطهير مما يدل على أن قولهاو تقريرها وفعلها حجة كما هو الشأن في الأئمة عليهم السلام  فكان المناسب أن يقول كل بيان صادر من الرسول صلى الله عليه وآله أو المعصومين عليهم السلام , حتى يدخل في هذه الدائرة الصديقة الكبرى فاطمة سلام الله عليها .
ينقسم البيان الشرعي الذي يصدر من المعصومين إلى ثلاثة أقسام : قول , وفعل , وتقرير أي السكوت ,بمعنى أنّه إذا سكت في مرآه على فعل من الأفعال , هذا معناه إمضاء. فهذه البيانات يستند عليها في إثبات هذه الحجج ,وهي تعتمد على البيان الشرعي ويكون في ذلك عمله صحيحا .
ثانيا : الإدراك العقلي
يعتمد الأصولي على الإدراك العقلي بمعنى أن الفعل لا يمكن أن يكون حراما وواجبا في وقت واحد . يعني يدرك عدم التضاد والتناقض في الأحكام الشرعية وهذا الإدراك العقلي هو الوسيلة المهمة للأصولي في إثبات العناصر المشتركة, وأحد العناصر المهمة في عملية التطبيق بالنسبة إلى الفقيه .
العقل أيضا له مصادر ,و له درجات.أما مصادر الإدراك العقلي فهي على ثلاثة أقسام :
  مصادر الإدراك العقلي :
أولا :التجربة والحس
 إذا شاهدت نارا فإنّك تعرف بالتجربة أن النار تحرق وهذا إدراك عقلي قام على أساس التجربة .
ثانيا : البداهة
 الإدراك العقلي القائم على البداهة مثلا الكل أكبر من الجزء,والواحد نصف الاثنين هذا إدراك عقلي أساسه البداهة .
ثالثا : التأمّل
إدراك قائم على أساس التأمل النظري مثلا أن المعلول يزول إذا زالت علته , هذا ليس أمرا تجريبيا, وإنما هو أمر نظري يحتاج إلى تأمل العلة والمعلول , وأن العلة إذا زالت زال معلولها.           
وأيضا للإدراك العقلي درجات تارة يكون تاما وتارة يكون ناقصا . إذا كان تاما فإنه يدرك أن الضدين لا يجتمعان وان المتناقضين لا يكونان في آن واحد,فإنّهما لا يجتمعان ولا يرتفعان, وأن الأرض كروية , هذا إدراك تام .
وأخرى يكون إدراكه ناقصا مثلا إذا تطبب شخص بعلاج معين  وشفي فإنه بالإمكان أن يؤدّي نفس هذا العلاج لشخص آخر يؤدي نفس الدور, وهذا يسمى "إدراك عقلي" مستندا على أساس غير تامّ..
هذا ما أردنا بيانه في هذا الدرس نسأل تعالى التوفيق لما يحب و يرضى وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .