الدرس الرابع : الاتجاهات المتعارضة في تقييم الإدراك العقلي

اسم النشيد:: الدرس الرابع : الاتجاهات المتعارضة في تقييم الإدراك العقلي

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 739

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:36:22

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الرابع : الاتجاهات المتعارضة في تقييم الإدراك العقلي

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس الرابع : الاتجاهات المتعارضة في تقييم الإدراك العقلي
 
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وآله آل الله .
ينبغي في البدء أن نشير إلى أنّ التفكير العامّ في تأريخ الفقه قد شهد ثلاث اتجاهات متعاكسة في تقييم العقل.
الاتجاه الأول :
 وهو الذي حاول أن يعطي للعقل حتى في ادراكاته الناقصة الحجّية الكاملة, بل جعلوه مصدراً رئيسيا وارتقوا به إلى القمّة.وقد برز إلى الأفق في أواسط القرن الثاني,خصوصا بعد التغافل والتجاهل لوصايا الرسول الأكرم صلّى الله عليه واله وسلّم في التمسك بالعترة الطاهرة عليهم السلام , والاقتصار على القران الكريم والسنة النبوية,تضييقا للمنبع العدلي للكتاب الشارح لتفاصيله والغامض منه,وقد أطلق على أصحاب هذا الاتجاه باسم(مدرسة الرأي والاجتهاد), وكان النعمان - أبو حنيفة-من روادها الأوائل,ولا يخفى خطورة هذا المسلك الذي يستبطن اتّهام الشرع المبين بالنقص والفتور,الأمر الذي أدّى بالمعصوم أبي عبد الله الصادق عليه السلام إلى مواجهته بالأدلة الدامغة لبطلانه والوقوف وجها لوجه أمام المبتدعين له بالخصوص أبي حنيفة.
الاتجاه الثاني :
 وهو على العكس من الاتجاه السابق,حيث وقف أمام العقل وجرّده عن كل ما له من إدراك, سواء كان كاملا أو ناقصاً , نازلا به منزلا دانيا,وبالآخرة لم يقم له وزنا,وقد ظهر على يد داود الاصبهاني في أواسط القرن الثالث الهجري الذي دعا إلى العمل بظواهر النصوص الشرعية ورفض الرجوع إلى العقل,والعجب من بعض الأمامية حيث اختار التعطيل لدور العقل ببعض أدواره,وكان ممّن سلك هذا السبيل الميرزا محمد أمين الاسترابادي الذي أنهى العمل به , وجعل المدار على النص الشرعي فحسب.
الاتجاه الثالث :
 وهو الاتجاه المعتدل الذي أعطى في الجملة كلّ ذي حق ّحقّه من عدم الإهمال لدور العقل بالكلية, ولا الأخذ به بشكل كامل وهذا الاتجاه المعروف بين جهابذة الفكر الأصولي الأمامي , ويتمثّل في تبنّيه للقطعيات العقلية,وردّه للظنون التي لا تغني من الحقّ شيئا.ولأصحاب هذا المسلك الدليل القطعي تبعا للنصوص المعتبرة المستفيضة منها وأهمّها المرتبط فيما نحن فيه,الوصية الزبورية الخالدة للإمام الكاظم عليه السلام في وصيته لهشام بن الحكم,وما نقله الثبت الجلد عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام"حجّة الله على العباد النبيّ والحجة فبما بين العباد وبين الله العقل".إذن فالإدراك العقلي وسيلة صالحة للإثبات إلى جانب البيان الشرعي ولكن لا في نطاقه المفتوح كما كان عند أرباب الاتجاه الأول الذين قالوا إن كان ناقصا أو كاملا فهو وسيلة مستقلة. بل ما التزموا به هو في حدود ما يحكم به حكماً كاملا مبني على أساس التجربة أو على أساس النظر أو على أساس البديهة, أما في إدراكاته الناقصة فهم بلا أدنى شكّ لا يعوّلون عليه .
وفي نفس الوقت أيضا وقفوا أمام الذين شجبوا العقل وحذفوه كالأخباريين .وقالوا هذا الشجب والحذف الكلي ليس بصحيح, بل لابدّ أن نتخذ الإدراك العقلي في ما هو ينتهي إليه من نتيجة قطعية .
فالعقل في المدرسة الامامية في الاتجاه الثالث أداة صالحة للمعرفة لأنهم اتخذوه  في المجال الذي يقطع فيه العقل في الإجراءات الكاملة لا في الإجراءات الناقصة , مثل الكل أكبر من الجزء, الواحد نصف الاثنين, فما المانع ما يدركه العقل مثل هذا الإدراك الكامل أن يُتخذ وسيلة ناجعة في الأمور التي تنتهي وتفضي إلى معرفة الحكم الشرعي في الموقف العملي .
إذن العقل هو أداة صالحة وجديرة بالاعتماد عليها والإثبات بها , فلا داعي للكفران بالعقل كأداة للمعرفة, ولا إفراط في الاعتماد عليه, والذي صدّره في عداد الكتاب العزيز هم مدرسة العامة,  والذين شجبوا الاعتماد عليه مدرسة الأخباريين والنمرقة الوسطى هم جلّ المدرسة الامامية.
إن الأغلبية من فقهاء المدرسة الامامية قد خاضوا المعركة في جبهتين, الجبهة الأولى: الجبهة الخارجية, والجبهة الثانية: الجبهة الداخلية, أما الجبهة الخارجية فهي في مواجهة فقهاء العامة, وأما الجبهة الداخلية فهي في مقاومة المحدّثين من الأخباريين, واستمرت هذه المعركة إلى أن وصل الأمر في نهاية الصراع  أن تغلّبت وبجدارة فائقة مدرسة جلّ الامامية على الأخبارية من ناحية, وعلى العامة من الناحية الأخرى.
الجبهة الخارجية:
وهم من أنصار الاتجاه الأول الذي حاول أن يعطي للعقل حتى في ادراكاته الناقصة حجية كاملة ومصدرا رئيسيا لهم في استنباط الأحكام, وهم أرباب مدرسة الرأي .
 بالنسبة إلى مدرسة الرأي إذا صح التعبير عنها  بمدرسة العقل  كل ما هنالك إنها استغلت العقل وجعلته الوسيلة الصالحة المستقلة لإثبات الأحكام الشرعية وعلى رأس هذه المدرسة-كما أشرنا- النعمان أبو حنيفة المتوفى سنة مئة وخمسين بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام بسنتين والمعروف عن رجالات هذه المدرسة أنهم بدءوا يتخذون الرأي منهجا مستقلا في قِبال الكتاب والسنة وأفرطوا إلى درجة أنّهم جعلوا العقل مولى وحاكما ومشرّعا ومقنّنا .
والرأي يعني أنّهم يرجعون إلى ما يتذوقون و يفهمون وما يستأنسون به من دون الرجوع-أحيانا كثيرة- إلى الكتاب والسنة والفحص فيما بين هذين العمودين في مصادر الاستدلال والدقة في فهم النصوص وما إلى ذلك , ولم يأخذوا عن السنة النبوية كما ينبغي, وإنما فحصوا بمقدار فإن لم يجدوا توجهوا إلى إعمال الرأي .
إن هذه المنهجية هي صريحة في كلماتهم , جاء في كلام لأحد تلامذة أبي حنيفة وهو محمد بن الحسن إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته , فما لم أجده أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله , فإذا لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع من شئت ثم لا أخرج من قولهم إلى غيرهم.
فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين فلي أن أجتهد كما اجتهدوا.
الأسباب والأخطار في تبنّي منهج العمل بالرأي:
 إذن ما هي الأسباب التي دعتهم إلى تبنّي هذا المنهج ,في العمل بالرأي وإطلاق العنان للعقل بشكل يستوعب كل مدركاته سواء كانت ناقصة أو كاملة ؟ على رأس الأسباب هي المخالفة للإمام المعصوم ,- وان لم تذكر في المقدمة والديباجة التي ذكرها الشهيد الصدر قدّس سرّه- وأئمّة الهدى وأولي الأمر الحقّ سلام الله عليهم أجمعين , ولكن الفكرة الأساسية أنه كانوا يرون أن البيان الشرعي والذي هو الكتاب والسنة قاصر, ولا يشتمل إلا على أحكام محدودة, وهنا تكمن الخطورة , والأخطر من ذلك انتقلت الفكرة من اتّهام البيان الشرعي أي القرآن والسنة بالقصورية والناقصية , قالوا نفس الشريعة ناقصة,لذلك رجعوا إلى العقل والرأي لأنهم همشوا البيان الشرعي بحجّة نقصه وقصوره لاستيفاء كلّ النواحي العامة والخاصّة,ولا يفي بكل الأحكام الشرعية و الحوادث الواقعة, بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا بأن الشريعة قد خلت من الكثير من الأحكام والكثير من الموضوعات والأحداث والوقائع ,هذه هي الخطورة التي جعلتهم ينهجون منهج الاعتماد على الرأي  والاستحسان ونتج عن هذا" القول بالتصويب"
 نظرية التصويب والآثار الماحقة المترتّبة عليها
القول بالتصويب هو أنّهم رؤوا أنّ حظ المجتهد في أيّ مسألة إصابة الواقع , يعني إذا اختلف اثنان من المجتهدين ,هل كلاهما يصيب الواقع , أم أنّ أحدهما يصيب الواقع , أم أنّ الكل اجتهد وأصاب , أم أنّ المصيب واحد والباقي مخطئ .
 لقد شاع في مدرسة العامة أن الكل مصيب ولا يوجد أحد مخطئا . ومن هنا, الأمر الذي سوّغ لهؤلاء الفقهاء أن ينفوا وجود حكم شرعي ثابت في مجالات الاجتهاد , ويصوّبوا المجتهدين المختلفين ,ولذلك جعلت فكرة التصويب على أن عمله عمل شرعي وتشريعي لا اكتشاف للتشريع وهنا مكمن الخطورة . يعني ذلك بأنّهم أصبحوا مشرّعة يعني( قال الله وقلنا) .
 في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام في الكافي الشريف انه قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال عليّ وأنا أقول. يعني الذي يقوله المعصوم من أهل البيت , أنا أيضا لي قول آخر, وقد خالف الإمام الصادق عليه السلام في كل شؤوناته حتى في السجود , فكان يغمض أحد طرفيه ويفتح الأخرى,وذلك لأنه أصبح في مقام المشرّع .
وروح القول بالتصويب هو عبارة عن التشريع لا اكتشاف التشريع .وهذه هي الأسباب التي أوجبت اللعن من قبل الإمام سلام الله عليه على هؤلاء.
ولهذا نجد أن الأئمة عليهم السلام قد وقفوا أمام مدرسة الرأي والاستحسان والتي شكلت خطورة أنها صارت هي المشرع وذلك بتبني القول بالتصويب.
 في الروايات المذكورة في الكافي الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال " إن الله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى والله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد لا يستطيع عبد أن يقول لو كان هذا انزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه " وعنه سلام الله عليه أنه قال " ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة . وعن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام انه قيل له كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه , قال بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه ".
 وهنا يستشهد الشهيد الصدر بالجامعة يقول وفي حديث عن الإمام الصادق سلام الله عليه  يصف فيه الجامعة التي تضم أحكام الشريعة يقول فيها كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش . والأرش يعني الفرق بين ما كان صحيحا وما كان معيبا , مثلا عندما يضرب أحد على يد آخر حتى  يحدث خدشا بسيطا, وهذا الخدش البسيط ليس له دية  ويسمى الأرش , وكان هو الفرق بين ما كانت اليد معيبة وبين ما كانت اليد سليمة , حتى هذا الفرق بين اليد السليمة واليد المعيبة بالجرح البسيط الذي ليس له تقدير معين , مبيّن في الأحكام الجامعة التي عند الأئمة عليهم السلام والتي فيها بيان كل شيء من الحلال إلى الحرام .
   بروز مدرسة المواجهة من العامّة على العمل بالرأي:
 ظهرت معارضة من أهل الجماعة (السنة) في مواجهة هذه المدرسة في أواسط القرن الثالث على يد داود بن علي بن خلف الأصبهاني , فدعا إلى العمل بظواهر الكتاب والسنة والاختصار على البيان الشرعي وشجب الرجوع إلى العقل وهم من أصحاب الاتجاه الثاني الذين وقفوا أمام العقل وجردوه عن كل ما له من إدراك سواء كان كاملا أو ناقصاً , واكتفوا بالبيان الشرعي .
فقد رّد الأصبهاني على أصحاب الاتجاه الأول بقوله لابد من الرجوع إلى الكتاب والسنة لان ظواهر الكتاب والسنة كافية تشبع الناس بشكل كامل وانعكس ردّ الفعل على البحوث العقائدية والكلامية , عندما جاء الأشعرية أتباع مذهب الأشاعرة ونفوا كل أثر للعقل , وحتى المعرفة الغيبية والمعرفة التي فوق الحس , فقالوا بأن العقل ساقط بالكلية., وامتد هذا الصراع إلى درجة أنهم رفضوا مبدأ أن العقل هو الذي يرى حسن العدل , وقبح الظلم . وقالوا بأنه لو ورد نص في أن الظلم حسن نتخذ هذا النص ونترك العقل , يعني أنّ التعبد بالرواية فحسب .
في كلمة للإمام الكاظم سلام الله عليه" إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنه " أما الحجة الظاهرة الأنبياء أما الحجة الباطنة العقل .أنه قرر وضع العقل بالنسبة إلى البيان الشرعي جعله حجة كما أن الأنبياء على الناس حجة  وهكذا جمعت مدرسة أهل البيت عليهم السلام بين البيان الظاهري وبين البيان الباطني , بين العقل وبين الأنبياء والرسالات .
الجبهة الداخلية :
هنا مشكلة أخرى قد برزت على الجبهة الداخلية , قام الأخباريون في أوائل القرن الحادي عشر ,على يد الميرزا محمد أمين الاسترآبادي المتوفّى عام 1023 هجري قمري أي  قبل أربعمائة وثلاث سنوات , له كتاب سمّاه( الفوائد المدنية) كتبه في المدينة المنورة . يؤكد في هذا الكتاب أن العلوم البشرية على قسمين القسم الأول يستمد قضاياه من الحس ,والآخر لا يقوم فيه العلم على أساس البحث الحسي ثم يقول بأن العلم الذي يستمد أموره من الحس مثل الرياضيات, بينما القسم الثاني الذي لا يعتمد على الحس , مثل الأمور التي ما وراء الطبيعة مثل تجرد الروح وبقاء النفس بعد البدن , ومثل حدوث العالم , ويقول المحدّث الإسترآبادي إننا نحترم القسم الأول الذي يعتمد على الحس الذي خضع إلى المادة مثل الذوق والشم واللمس والسمع والبصر ,  وأما الأمر الثاني لا يمكن الوثوق به لأنها أمور غيبية لا تنتج نتيجة قطعية بخلاف الأمور الحسية , وبهذا جعل الحس معياراً وما عدا ذلك أزاله من العيار.
يقول الشهيد الصدر بأن ظهور مدرسة الأخباريين الرافضة للعقل والمعتمدة على الحس بسبب معاصرتها لبعض الحركات الأوروبية , مثلا نظرية جون لوك التي تقوم على نشر النظرية الحسية والاعتماد على التيار الفلسفي الحسي , وأيضا دانيد هويم الذي كان يعتمد على هذه النظرية , ومن المعاصرين للمحدث الإسترآبادي فرنسيس بيكون المتوفّى سنة 1626 ميلادية الذي مهد للتيار الحسي .
ولنا على ما ذكره السيد البروجردي رحمه الله من تأثّر الحركة الاخبارية وزعيمها الاسترابادي بنظريات جون لوك الحسية هذا الزعم غير صحيح وذلك لان وفاة الاسترابادي كانت قبل وفاة جون لوك بمئة عام تقريبا فكيف استمدّ نظريته الرافضة لدور العقل منه,على أن التقاء الأفكار لم يكن بالضرورة نتيجة التلقّي والأخذ من الأخر,فقد تكون متوازية معا دون عهد سابق على ذلك فلاحظ.
 وقد انتهت المدرسة الأوروبية إلى نفي وجود الله بينما مدرسة الأخباريين حافظت على الاعتقاد بالله , ولكنها قالت بأن البحث ما وراء الحس لا ينتج نتيجة قطعية . بينما نحن نقول إنّ ما ينتجه العقل ويدركه بشكل قطعي لا مجال للريب فيه .
كانت الحركة الأخبارية تستبطن تناقضا واضحا , وهو أنها من جهة ترفض العمل بالعقل وما وراء الطبيعة , ومن جهة أخرى تؤمن في ما وراء الطبيعة , مثل الجنة والنار والروح , العقل الذي يتم بواسطته الاعتماد على الأمور الغيبية .
 وهم بذلك يعطون للعقل دورا بالنسبة للمعتقدات, وفي معرفة الله وإلا سببت لهم مشكلة . فهم يلتزمون في جانب الاعتقاد , ويرفضون الالتزام بها في جانب البيانات والأحكام الشرعية , مثلا هناك رواية تفيد الوجوب ورواية تفيد الحرمة .
هناك مسألة مهمة في تاريخ علم الأصول , أن علم الأصول نشأ في أحضان علم الفقه , كان المتعارف آنذاك علم الحديث , ثم نشأ علم الفقه وتربى في أحضان هذا العلم علم الأصول وكانت بذرات هذا العلم موجودة .
إن أصحاب الأئمة مثل هشام بن حكم ألف كتابا في مباحث الألفاظ , وهذا يعني أن علم الأصول كان وليدا وناشئا في عصر النص , وكما أن الممارسة الفعلية للعمل الفقهي تم في ذاك الوقت , وبدأ نشأت علم الأصول ومعرفة العناصر المشتركة عن طريق هذه النصوص , نعم هناك بعض الحجج لم تكن آنذاك بارزة مثل حجية الفهم العرفي, لان ذاك ما كان يحتاج إلى الفهم العرفي بسبب وجود المعصوم سلام الله عليه, فإذا استعصى عليه فهم النص يرجع إلى الإمام سلام الله عليه , وأصبحت الضرورة لدراسة الفهم العرفي في زماننا أكثر من زمانهم بسبب البعد الزمني وغياب الكثير من الألفاظ والكثير من الحوارات والمعاني اللفظية ودخول المعاني الأجنبية على مفردات خطاباتنا وحواراتنا .
ولأهمية علم الأصول وصل الأمر إلى أن يستقل علم الأصول عن علم الفقه بعد ما تربى في أحضانه , ووصل إلى الاستقلال الكامل . ومن هنا نشأت تأليفات وكتب, مثلا ما ذكره أحد المحققين في القرن السابع وقال: اعلم أنّ الكلام في أصول الفقه إنما هو في الحقيقة كلام في أدلة الفقه , ولا يلزم على ما ذكرناه أن تكون الأدلة والطرق إلى أحكام وفروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا , لان الكلام في أصول الفقه إنما هو كلام في كيفية دلالة ما يدل من هذه الأصول على الأحكام على طريق الجملة دون التفصيل , وأدلة الفقهاء إنما هي على نفس المسائل والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل .
 يعني بعبارة أخرى مختصرة مفيدة إن العناصر المشتركة هي الأدلة الإجمالية والعناصر الخاصة هي الأدلة التفصيلية,  وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة عدد ما في علمه ودوام ملكه. .