بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدّرس السّادس : تجدّد الحياة والحركة في أبحاث علم الأصول
الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
هناك عدّة عوامل ساعدت على تجدّد الحياة والحركة في البحث العلمي لدى الامامية ومنها :
العامل الأول :
بدأ البحث يتجدّد والفكر يتأصّل في مسائل العناصر المشتركة, وذلك بعد زمان الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه , بينما نلاحظ على الصعيد السنّي أخذ البحث والفكر بالشيخوخة والاضمحلال , والسبب في ذلك إنّما يعود إلى أنّ الركود عند المدرسة السنية نتيجة البعد الزمني عن عصر النص النبويّ , في الوقت نفسه كانت المدرسة الامامية فاعلة بوجود المعصوم من أهل البيت سلام الله عليهم .
إنّ عنصر التبدّد في المدرسة السنية يعود إلى عامل مهمّ,وهو أنّ الأفكار بدأت تنحسر , بينما نجد على العكس تماما في المدرسة الإمامية التي انحسرت فيها شيئا ما , إلا أنّه في عصر ما بعد الشيخ الطوسي بمئة عام, عاد البحث وإعمال النظر بقوّة هائلة على يدي جهابذة من العلماء, منهم ابن إدريس الحليّ و الذي كان معاصرا لابن زهرة الحلبي,كما تشهد بذلك مجابهاته عبر المكاتبة له في بعض المسائل, ومن بعده المحقّق الحليّ الذي كان تلميذ تلامذته,وقد صنّف كتبا في الأصول منها كتاب(المعارج)وكتاب(نهج الوصول إلى معرفة الأصول),ومن النوابغ الذين برزوا في خضّم هذا التقدّم العلمي هو الحسن بن عليّ المعروف بالعلاّمة الحليّ,وهو من تلامذة خاله المحقّق الحليّ طاب ثراهما.
العامل الثاني :
كان الفقه في الجانب السنّي مرتبطا وبشكل مباشر بالدولة والسلطات الحاكمة رسميا , وهي التي تدعم وتسيّر هذا التحرّك , ممّا أدّى إلى الاضطراب وعدم الاستقرار في الجانب الفكري والإبداع العلمي .
كانت الحكومات آنذاك متسلّطة وهي التي تدير دفّة هذا الأمر في النهضة العلمية , على العكس تماما حيث نلاحظ أنّ الفقه الامامي كان منفصلا تماما عن الدولة وسلطاتها الحاكمة , بل كان مغضوبا عليه من قبل الأجهزة الحاكمة , التي تشنّ بين الفينة والأخرى هجماتها على أقطاب هذه المدرسة , و رجالات هذا الفكر. مع هذا كلّه نجد أنّ هناك حقيقة أخرى وهي ارتباط الفقهاء بالأمّة وتزايد الجوّ الشيعي آنذاك, ودخول الكثير ممّن رأى بأنّ هذه المدرسة هي مدرسة المنطق و الحقّ ويجب إتّباعها, الأمر الذي أدّى إلى نهضة ملحوظة في الفكر والإبداع عند الامامية.ويتجلّى ذلك بوضوح من خلال المناظرات لمؤمن الطاق,ورائد المحاورات المنصور هشام بن الحكم,وغيرهما من أعمدة الأصالة في الدقّة والفكر.وممّن استطاع كسر الطوق عن العنق الشيعي العامّ في فترة ما بين عهد الشيخ الطوسي إلى حدود القرنين,رجل المهمّة الصعبة ابن إدريس الحلي المتوفّى عام 598هجري,إذ بثّ في الفكر العلمي روحا جديدة,وكان كتابه"السرائر"إيذانا ببلوغ النهوض العلمي والنقدي البنّاء إلى مستوى التمحيص و بيان الرأي الآخر.
فإنّه قد استطاع من خلال كتابه أن يكسر ذلك الطوق من تقديس مدرسة الشيخ الطوسي والتعبّد بآرائه وتقديس كلّ ما كتب, وبالتالي عدم صحّة العدول إلى غيره . لانّ المتبنّى طيلة تلك الفترة أن ليس ثمّة رجل مبدع , أو فقيه بارع إلا الشيخ الطوسي, ومن يجرأ على هذا الأمر كان يعرّض نفسه للتجريح , إلا أنّ ابن إدريس استطاع أن يقفز على هذا الجانب قفزة قوية وأن يدشّن النظريات الأصولية وان يفتق باب الفكر والتأمل والنهضة العقلية العلمية , ومن هنا نجد أنّ له في كتابه السرائر دراسة مستفيضة في كتاب المياه وغيره, أبرز فيها العناصر المشتركة أي التي تكون دخيلة في كل الأبواب. فإنّه كان هناك كتابان في هذا المجال, الكتاب الأول" العدّة" للشيخ الطوسي والآخر وهو كتاب "السرائر" لابن إدريس .
لم يفتح الشيخ الطوسي الباب على مصراعيه أمام علم الأصول, والدراسة الوافية للعناصر المشتركة , كما فعل ابن إدريس الذي فتح الباب على مصراعيه مؤسّسا ومؤصّلا لنظريات هذا العلم . بالرغم من أنّ ابن إدريس فتح الباب , إلا أنّ فتحه كان في بعض المسائل غير دقيق,ولم يكن في مناقشته الشيخ الطوسي في بعض المسائل الفقهية موفّقا, مثلا يقول الشيخ الطوسي في كتابه المبسوط إذا كان عندنا أقل من كُرّ متنجّس , أو وقعت فيه نجاسة مثل الدم وما أشبه ,فالبناء على النجاسة طبقا للقاعدة المستفادة من النصوص,بل لو أضيف إليه الماء سواء كان الماء المضاف نجساً أو طاهراً مع ذلك لا يطهر لأنه ليس كُرّاً في الواقع, ثم قال لو أضيف الماء النجس إلى الماء المتنجس فالمسألة هنا أوضح مما لو أضيف إليه الماء الطاهر في كونه محكوما بالنجاسة. جاء ابن إدريس في بحث هذه المسألة لكنه في الظاهر لم يوفق تمام التوفيق , وذلك لانّه قال لو أضفنا إلى هذا الماء القليل المتنجس ماءا طاهراً بل لو كان المضاف إليه ماءاً نجساً وصار المجموع كُرّاً, فإنّا نحكم عليه بالطهارة , هذه المسألة موجودة في كتاب السرائر, وقد نقلها السيد الخوئي أعلى الله مقامه , وجمهرة من الفقهاء طرحوا هذه المسألة متعجبين من ابن إدريس في حكمه هذا, انه إذا أضيف إلى الماء القليل الذي هو دون الكُر المتنجس أضيف إليه ماء , تارة يكون الماء المضاف إليه طاهراً وأخرى يكون نجساً فإنه في الحالتين حكم بطهارته . والدليل على ما ذهب إليه ابن إدريس قدّس سرّه في السرائر من كفاية كون الماء كراً مطلقاً سواء كان بالماء الطاهر أو النجس, لصدق عنوان الكُرية عليه. مستدلّا برواية عنهم عليهم السلام " إذا بلغ الماء كُراً لم يحمل خبثاً ",فإنّه قد أخذ في لسان الدليل عنوان" الكُر" وهذا المجموع الموجود يصدق عليه الكُر يضاف إلى ذلك قوله" لم يحمل خبثاً " فإنّه لا يكون موصوفاً بالنجاسة بل منفيا عنه النجاسة ,ومن هنا حكم بالطهارة .وبالملاحظة لقوله" لم يحمل خبثا " كأنّ هذا الماء وإن كان نجساً لكن لبلوغه الكرية فهو يلغي النجاسة عن نفسه من جهة, ومن جهة أخرى يدفع النجاسة الواقعة عليه لانّ كلّ الكلام يستقرّ على كلمة وهي" بلوغ الكرية" . يأتي السيد الخوئي أعلى الله مقامه ليقول:وما رأيت أعجب من دعوى ابن إدريس , فيما ذكره في مقام الاستدلال على أن الرواية أجمع على نقلها المخالف و المؤالف, والحال لم ينقلها لا المخالف ولا المؤالف .في الوقت الذي عندنا ألفاظ أخرى مثلا " إذا بلغ الماء قدر كُر لا ينجسه شيء " هذا موجود عندنا أما هذا اللفظ " إذا بلغ الماء كُراً لم يحمل خبثاً "فإنه لم يكن له أثر ولا عين.هذا من جانب , ومن الجانب الآخر للسيد أعلى مقامه مناقشة ثانية في هذا الأمر يقول: الماء إذا بلغ كُراً هنا لابد أن تحرز أولا موضوع كون الماء كُرا , بعد ذلك تبحث إذا وقع فيه الماء الطاهر , أو إذا وقع فيه الماء النجس, المعنى المستفاد من الروايات إذا بلغ الماء قدر كُر لا ينجسه شيء,أنّ نظر المعصوم عليه السلام في موضوع الرواية هو تثبيت عنوان الكُرية, وبعد ذلك نأتي إلى الأحكام . هذه المسألة وان فتحت باب الجرأة على مناقشة آراء الشيخ الطوسي والوقوف على ذلك , لكنه في بعض أحوالاتها في هذا المجال لم توفّق, وليس الغرض أن نبحث في أنّه وفّق أو لم يوفّق , إنما الغرض بيان أنّ البحث العلمي بدأ ينطلق والرأي أخذ ينتشر .
وقد سبق في الفترة نفسها ابن إدريس إلى تسجيل الملاحظات على أنظار الشيخ رحمه الله, ابن زهرة الحسيني الحلبي , وبدأ يطرح آراء ونظريات يناقش الشيخ في كتبه, وهذا كاشف هامّ على قوة العارضة عند الجهابذة من العلماء, مثلا هناك إثارات ومناقشات لمّا كان يتبنّاه الشيخ الطوسي نذكر منها ثلاثة أمثلة :
المثال الأول :
يقول السيد ابن زهرة الحسيني الحلبيّ: إنّ ما ذكره الشيخ الطوسي من دلالة الأمر على الفور – هذا الكلام غير صحيح – إذا قال لك شخص ائتني بالماء أو اذهب إلى السوق أو اذهب إلى القصاب .
هنا كلمة الأمر ائتني , اذهب , وكما قال الشيخ الطوسي دالّة على الفورية, لذلك إذا أمرك المولى أو صدر إليك أمر من الشريعة,فإنه يجب فوراً تطبيق ذلك الأمر هذا المستفاد هو من بيان الشيخ.
ردّ عليه ابن زهرة بقوله:إن الأمر ليس فيه هذه المعاني,وإنما هو حيادي ليس فيه صفة الفورية أو التراخي,وعليه فإنّه قد حاول أن يستلّ منها هذا المعنى.
المثال الثاني :
اقتضاء النهي عن المعاملة هل يوجب فسادها, مثلا إذا قال لا تبع يوم الجمعة فهل تكون هذه باطلة ؟
الشيخ الطوسي كان يقول بالاقتضاء , و إذا نهى عن المعاملة ,فإنه يقتضي فسادها.
أما ابن زهرة الحسيني فإنه في مقام ردّه, إنّ النهي ليست له إلا دلالة واحدة ,وهي دلالته على الحرمة, أما فساد المعاملة فهذا لا يستفاد من النهي . وذلك لعدم الملازمة بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية في بطلان المعاملة .
المثال الثالث :
أثار السيد ابن زهرة الحسيني مشكلة مهمة, وهي أن العامّ حجّة في غير المخصّص , مثلا إذا قال لك المولى أكرم العلماء , نفهم من ذلك العموم أي جميع العلماء . ثم قال إلا الفساق , هنا خصص العموم . العام كانت دائرته واسعة" كل العلماء" ولكن عندما جاء التخصيص ضيق الدائرة, فالعالم الذي لا يصلّي صلاة الليل و لا يختم القرآن أو لا يزور الإمام هل يكون العام شاملا له أم لا .ففي الجواب يقال إنّ العامّ في غير المخصص يبقى على حجّيته أما في المخصّص يخرج الفسّاق .هذه النظرية لم تكن مطروحة في زمان الشيخ الطوسي, وهذا يدل على تطور الفكر الشيعي وتألق النظريات الأصولية في عهد كلّ من الشيخ ابن إدريس والسيد ابن زهرة .لهذا أتى أكثر من ذلك وممّن أبدع في هذا العلم من أبناء المدرسة الحليّة وعلى رأسهم المحقق الحلي أعلى الله مقامه الذي استطاع أن يأتي بعلم الأصول, و يدشّن نظريات الأصول ويطفر على كتاب المبسوط الذي كان كتابا مقدسا ويأتي بنظريات دقيقة خصوصا في كتاب شرائع الإسلام الذي فرّع فيه وشق فيه ونتج عن هذا التفريع مسائل هامّة, والى اليوم فإنّ الأمّة تتمتّع بهذه الأحكام في معرفة الحلال والحرام,من خلال مصنّفات المحقّق مثل" شرائع الإسلام" وغيره.
ثم أتى نابغة دهره وتلميذه وابن أخته العلاّمة الحسن بن يوسف المتوفّى 726 هجرية قمرية وفتح الباب على مصراعيه فألّف كتبا منها "تهذيب الأصول إلى علم الأصول" وكتاب آخر "مبادئ الوصول إلى علم الأصول" .
إلى هنا عرفنا بأنّ المدرسة الأصولية الامامية فتحها أكابر هذه الأمة على مصراعيها, ولكنها فوجئت بهجمة داخلية وبحرب شعواء من الداخل في أوائل القرن الحادي عشر واستمرت إلى القرن الثاني عشر, وذلك على يد الميرزا محمد أمين الاسترآبادي الذي هجم على هذه المدرسة الأصولية , واتهم أربابها ,وألّف كتبا وكان مقيما في المدينة المنورة , فألف كتابا اسمه الفوائد المدنية .
وهناك أسباب جعلتهم يتهجمون على هذه المدرسة, يذكر منها:
أولا : إنّهم لم يفهموا بدقّة مباني علم الأصول و العناصر المشتركة والخاصة والجهل بالشيء يوجب عدواته,كما قال الإمام الرضا عليه السلام:العاقل صديقه عقله, وعدوه جهله . فلذا كانوا يتصورون تمهيد القواعد في علم الأصول هو تمرّد وتجرأ على النص .
ثانيا : ظنوا أن علماء الأصول مقلّدة للسنة المخالفين .ومن هنا فقد تصدّى الفقيه السيد محسن الأعرجي رضوان الله عليه المتوفّى سنة 1227 هجرية قمرية كتب رسالة عجيبة قائلا فيها: أترانا نعرض عن مراعاة الأصول مع مسيس الحاجة إليها ,لأن سبقنا إليها المخالفون, وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم " الحكمة ضالة المؤمن " وما كنّا في ذلك تبعا, وإنّما بحثنا عنها أشدّ البحث واستقصينا أتمّ الاستقصاء ولم نحكم في شيء منها إلا بعد قيام الحجّة وظهور المحجّة .
ثالثا : اتهمّ الأخباريون أنّ من رواد هذه المدرسة , ابن جنيد الذي كان على المذهب السني ثم استبصر وكان متأثرا في بعض النظريات مثل القياس والاستحسان .
رابعا :تسرّب بعض المصطلحات مثل كلمة الاجتهاد التي طرحها الأصوليون من الامامية ,مدّعين أن كلمة الاجتهاد كانت في عصر أبي حنيفة وتعني العمل بالرأي فخلطوا بين الاجتهاد في المصطلح الأصولي الذي عبارة عن البحث في الأدلة واستخراج الحكم من الأدلة,وبين العمل بالرأي الذي هو عبارة عن الأخذ به في قبال الكتاب والسنة .
خامساً : اعتماد الأصوليين على المدركات العقلية, لذلك قالوا أن المدركات العقلية تجرّنا إلى بعض المدارس التي اعتمدت العقل ورفضت النص .
سادسا : زعم الاسترآبادي أن المدرسة الأصولية لم تكن معهودة عند أصحاب الائمة وفقهاء مدرستهم,الأمر الذي يعني أن هذه المدرسة لم تنشأ إلا في عهود ما بعد الغيبة.فهو يدّعي أنّ الاتجاه الاخباري كان هو الاتجاه السائد بين فقهاء الامامية إلى عصر الكليني والصدوق وغيرهما من ممثلي هذا الاتجاه في رأي الاسترابادي ولم يتزعزع إلا في أواخر القرن الرابع وبعده حين بدأ جماعة من علماء الامامية ينحرفون عن الخط الاخباري ويعتمدون على العقل في استنباطهم ويربطون البحث الفقهي بعلم الأصول تأثّرا بالطريقة السنيّة في الاستنباط,ثم أخذ هذا الانحراف بالتوسع والانتشار.وأنت أيها المتابع الكريم جدّ عليم بما ذكره الميرزا في تسرعه وإسهابه بما لا يحتمل من التشنيع والتضييع لمراتب علماء المذهب الحقّ.على أنّ زعمه لم يكن مستندا على تفريق دقيق بين الاخباريين والأصوليين,ولكشف النقاب ورفع اللثام عن وجه من غشّي عليها الحقيقة نورد ما سطره بيراعه من قلب الحقيقة,الشيخ محمد تقي المتوفى سنة1248 هجرية قمرية في تعليقاته الضخمة عن المعالم كما يعبر عنها الشهيد الصدر,قائلا: إنني استغرب لمثل هؤلاء أن يقولوا:إنّ هناك أخباريين و أصوليين , أو ما أشبه وكل ما في الأمر أنه في تلك الفترة, عمد مجموعة من علمائنا مثل الكليني والصدوق والطوسي إلى جمع الأحاديث خوفا من الضياع والتلف.ثم يقول: إن قلت أن علماء الشيعة كانوا من قديم الزمان على صنفين أخباري وأصولي , كما أشار إليه العلامة في النهاية وغيره , قلت وإن كان المتقدمون من علمائنا على صنفين وكان فيهم الأخبارية , إلا انه لم تكن طريقتهم ما زعمه هؤلاء بل لم يكن الاختلاف بينهم وبين الأصولية إلا في سعة الباع في التفريعات الفقهية وقوة النظر إلى القواعد الكلية والاقتدار على تفريع الفروع .
وكذلك الشيخ البحراني وهو من عمدة الأخباريين " لم يرتفع صيت هذا الخلاف بين الأصوليين والأخباريين ولا وقع هذا الاعتساف إلا من زمن صاحب الفوائد المدنية سامحه الله , فإنه قد جرد لسان التشنيع عل الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب .
ثم بدأ التأليف يقوى في المدرسة الأصولية وجاء الشيخ المجلسي ,وقد ألف كتاب البحار وهو أكبر موسوعة متاحة في استيعاب جمع الأحاديث في المصادر القديمة حتى زمان غواص البحار الشيخ المجلسي طابت تربته, ثم جاء الفيض الكاشاني وألف كتاب الوافي ,والسيد هاشم البحراني كما يذكر الشهيد الصدر إنه قد جمع فيه المأثور من الروايات ,أي كتاب البرهان وهو متوفّى سنة 1107 هجرية قمرية .
بدأ البحث الأصولي ينتعش إلى أن جاء الملا عبد الله التوني فكتب" الوافية في الأصول" ثم الخونساري الذي كان على قدر كبير من النباهة والبراعة كما يظهر من كتابه الفقهي"مشارق الشموس في شرح الدروس" , وهناك مجموعة ومن بينهم الشيخ مرتضى الأنصاري صاحب كتاب الرسائل , والذي فتح في وقته هو الوحيد البهبهاني رضوان الله عليه والمتوفى سنة 1071 هجرية قمرية وهذا الرجل الوحيد الذي استطاع أن يقف أمام الأخباريين وينسف قواعد هذه المدرسة نسفا ويذرها قاعا صفصفا ويخمد الفتنة العلمية والاجتماعية .
وصلّى الله على محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين صلاة تامّة تشحن الهواء وتملأ الارض والسماء, صلاة عدد ما في علمه ودوام ملكه.