الدرس الثاني : تعريف علم الأصول و دور الأصولي والفقيه

اسم النشيد:: الدرس الثاني : تعريف علم الأصول و دور الأصولي والفقيه

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 852

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:26:06

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الثاني : تعريف علم الأصول و دور الأصولي والفقيه

بسم الله الرحمن الرحيم



علم الأصول

 شرح سماحة آية الله عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر

الدرس الثاني : 
 تعريف علم الأصول و دور الأصولي والفقيه

الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله محمد وآله آل الله .

 ذكرنا في البحث السابق المنشأ التاريخي لعلم الأصول وتأكيد الأئمة عليهم السلام بقولهم " إنما علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " .
ثم انطلقنا من تلك المقالة في الدراسة التاريخية لعلم الأصول وأكدنا على مشروعية هذا العلم , وانه اكتسب طابع التشريع ببركة التأليفات من قبل أصحاب الأئمة وإمضاء الأئمة عليهم السلام ولو بشكل عام أو من خلال المقولة التي ذكرتها .
ثم بينا أن عمالقة هذا العلم استطاعوا أن يقفوا على أقدامهم حتى يومنا هذا مما يعني أن هذا العلم يمتاز بالقوة والمتانة والأسلوب الرصين بالأدلة والبراهين التي يعتمد عليها , كل ذلك يعطي صورة مشرقة عن علم أصول الفقه .ومن هنا ينبغي بيان وظيفة الفقيه في مورد الاستنباط , والأصولي الذي يؤمن الكبريات والعناصر المشتركة .
 
الفرق بين الأصولي والفقيه :
الفقيه هو الذي يدرس الرواية ثم يستنتج منها الكلي مثل , " كل مُسكر حرام " وذلك لأنه قد اعتمد على النص الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام وقد جاء فيه " كل ما أُسكر قليله  أو كثيره فهو حرام " , فإنه يستنبط منها الكلي وهو كل " مُسكر حرام " ولكن تأمين هذا الكلي والمصادقة عليه هو عمل الأصولي فيأتي ببرهان ليثبت حجية هذا الكلي إما اعتمادا على الفهم العرفي أو اعتمادا على الظهورات وكلاهما حجة .
بعد هذا البيان المختصر ننتقل إلى بعض التمهيدات اللازمة في درسنا الجديد .
 لابد من التوجه بأن الإنسان بعد أن آمن بالله والإسلام والشريعة , ضريبة هذا الإيمان أن يكون تابعا وعبدا لصاحب هذه الشريعة المقدسة وهو الله تبارك وتعالى ولأجل أن يكون عبدا متمحضا بالعبودية ومخلصا له بإتباعه لابد أن يتعرف على أحكامه حتى يكون منقادا وتابعا بحكم هذه العقيدة وبحكم هذا الإيمان, فمن هنا تفرض عليه هذه العقيدة  أن يكون في كل مواقفه العملية و في كل شؤوناته  في الحياة , على طبق مراد ذلك المولى  فهل يفعل أو لا يفعل . هذه عبارة تستدعي منه أن يكون عارفا بأحكامه ومستدلا عليها قدر الضرورة حتى يكون في منتهى العبودية لله تبارك وتعالى , ولو كانت الأحكام أي أحكام الشريعة وأوامرها ونواهيها في كل الأحداث والوقائع واضحة وضوحا كاملا للجميع لكان تحديد الموقف تجاه هذه الشريعة ميسورا . لو كنا نعلم بكل التفاصيل المقررة في الكتاب والسنة لتكفل لنا هذا العلم رفع الغموض عن النصوص , ويستلزم بذلك رفع الغموض عن الموقف العملي  والانقياد للمولى , فلذا قام هذا العلم  علم الفقه وعلم الأصول , لأن علم الفقه يشتمل على تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا , والفقيه مهمته في علم الفقه إقامة الدليل على تعيين الموقف العملي في كل حدث من الأحداث وفي كل واقعة من الوقائع .
إذن الفقه هو استنباط الحكم , ودور الفقيه هو أن يستنبط من النص الحكم الشرعي ويقوم في هذه المهمة ليحدد الموقف العملي , ويكون الإنسان بحكم التبعية عاملا بما فرضه عليه هذا الفهم ليكون تابعا ومخلصا بحكم قضاء حكم العبودية لله عز وجل.  
 إذن هناك علمان قد اشتركا في تحديد هذا الحكم  .
العلم الأول :
 علم الفقه لانه كما أشرت هو عملية استنباط الحكم الشرعي من المدارك المقررة.
 العلم الثاني :
 علم الأصول وهو الذي يتم فيه تأمين الكليات وإيجاد الحجج حتى يتمكن الفقيه من الاستدلال على صحة ما وصل إليه طبقا لتلك الحجج .
 حكمنا بأن هذا النوع من السيجار المسكر حرام طبقا لكل مُسكر حرام يصادق عليه الأصولي بإبراز الدليل في باب الحجج طبقا لفهم العرف العام , أو الحجج الأخرى كحجية الظهورات , أو خبر الثقة وما إلى ذلك .
 إذن لابد من تحديد الموقف العملي بإزالة كل الغموض , إن هناك ممارسة لأسلوبين :
 الأول : يسمى بالأسلوب غير المباشر  لتحديد الحكم .
الثاني :يطلق عليه الأسلوب المباشر .
خلاصة المراد من هذين الأسلوبين هو أن الأسلوب غير المباشر عبارة عن تفحص الفقيه النصوص ليكتشف نوع الحكم من خلال التدبر وفهم هذه النصوص ثم ينتهي إلى الحكم من خلال الفحص والتنقيب في مداليل هذه الكلمات الواردة عن المعصوم سلام الله عليهم أجمعين , فيقال في الأسلوب غير المباشر هو عبارة أخرى عن إقامة الدليل واستخراج الحكم  أما إذا تعذر الأسلوب غير المباشر وفُقد الدليل إنتقل حينئذ إلى الأسلوب المباشر. مثلا تدخين السيجارة وهي من المسائل المستحدثة التي لم تكن بخصوصها وبحيثياتها واردة في عصر النص ولم تكن هذه المسألة مبتلى بها في عصر النصوص بما عليه الآن, فحينئذ يبحث في الدليل فإذا لم يجد آية ولا رواية فإنه ينتقل إلى الأسلوب المباشر , وهو تعيين الأصل العملي لان الأصل أصيل حيث لا دليل وهي قاعدة مهمة , وفي المحصلة يفتي بالبراءة أي أن كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام , فإذا تم هذا يحكم بحلية شرب التتن طبقا للموقف العملي في الأصل حينما فُقد الدليل . إن هذه الممارسات سواء كانت على المستوى الأول أو على المستوى الثاني فإن الفقيه يقوم بدور رئيسي للفحص في الأدلة ثم ينتقل  إذا لم يجد دليلا إلى الأصل العملي لتعيين الحكم الشرعي ولكنه لم يكتفي بهذا القدر من البحث فإنه لابد أن يكون هناك مؤمن يصحح لنا هذه الاستنباطات التي يقوم بها الفقيه , وبعبارة أخرى ما ذهب إليه الفقيه من الحلية أو الحرمة أو ما أشبه يحتاج إلى ضم العناصر المشتركة التي هي بمثابة الدليل القاطع على صحة ما استنبط , ومن هنا تطلب الأمر إلى وجود علم وهو علم الأصول .
إذن الفقيه يؤمن لنا عملية الاستنباط والأصولي يقوم لنا بمهمة تأمين الحجج وإقامة الحجج على هذه الاستنباطات فيكون كل منهما يؤدي دوره متضامنا.
 
تعريف علم الأصول:
علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي.  ولمعرفة أصل المراد من التعريف نطرح السؤال التالي ما المقصود بالعناصر المشتركة؟ وللجواب عن هذا التساؤل نقول قد ذكر الشهيد الصدر قدس سره  أمثلة توضيحية نذكرها بصيغة السؤال الذي يكشف النقاب عن المقصود بالعناصر المشتركة .
 السؤال الأول : هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟
السؤال الثاني: هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه ؟
السؤال الثالث : هل تبطل الصلاة بالقهقهة في إثناء الصلاة ؟
 يبدأ الفقيه بالإجابة على هذه الأسئلة مستندا إلى روايات معتبرة ثم ينقلب مرة أخرى بنظره الدقيق إلى العناصر المشتركة فيجيب عن السؤال الأول : نعم إنه يحرم الارتماس على الصائم . نسأل الفقيه من أي دليل استفدت وعلى أي دليل اعتمدت ؟ فيجيب بأنه قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم .
 نرجع إلى العرف العام  فالفقيه لما وجد هذه الرواية يبحث فيما هو العرف العام هنا الإمام يقول يحرم الارتماس على الصائم لو عرضت هذه الجملة على العرف العام فإنه  يفهم منها الحرمة .الرواية يرويها يعقوب بن شعيب , وان كان ثقة قد يخطأ وقد يصيب فعلى أي أساس اعتمدنا على شخص يمكن فيه الخطأ , نقول هنا يأتي دور الأصولي يؤمن لنا في بحثه إن خبر الثقة حجة , هذه القاعدة أنه متى ما روى الثقة خبرا يجب تصديقه ويلزم إتباع إخباره أو بما يخبر به وذلك لان النصوص في الآيات والروايات وكذا السيرة العقلائية عبدتنا بقول خبر الثقة.
 
إذن في هذه المسألة دخل الفقيه والأصولي عليها .حيث ذهب الفقيه إلى رواية يعقوب واستنبط منها إن الصائم إذا ارتمس فإنه يحرم عليه , ولكن هذا لا يكفي لابد من تثبيت أن يعقوب مقبول الخبر أو بعبارة أخرى يجب علينا التعبد بأخبار الثقات يقول هذه قاعدة قد ثبتت لدى علم الأصول وحررنا الكلام وانتهينا إلى أن أخبار الثقات حجة  حتى وان كان يحتمل في إخبارهم الخطأ أو عدم مصادفة الواقع . ثم كذلك بالنسبة إلى ورث مالا من أبيه ليؤدي الخمس يبحث الفقيه في الروايات ويرى رواية علي بن مهزيار عن الإمام الصادق عليه السلام حدد فيها نطاق الأموال التي يجب أداء الخمس فيها وذكر بأن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن  يعني عندك شخص من الأرحام يسكن الهند   مثلا وقد جاء الخبر بموته طبعا هذا الميت لم تعرف قرابته بشكل دقيق بإعتبار سكناه في بلد آخر فلم يحتسب منه الإرث , هنا الإمام سلام الله عليه اوجب فيه الخمس , فيستفاد من تحديد أن الخمس في المال الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن . أما إذا كان يحتسب من الأب أو الابن فليس فيه الخمس أي إذا ورث الولد من أبيه شيء فإنه لا يُخمس , بينما إذا أتاه من حيث لا يُحتسب أن له صلة قرابة مع الآخر, فيجب فيه الخمس , لان رواية أبي مهزيار حددت أن الخمس في الميراث الذي لا يُحتسب . وبتحديدها نفهم من هذا المنطوق عرفا بأن ميراث من يحتسب ليس عليه الخمس .
 هنا نأتي إلى مسألة ثانية على أي أساس عندما أفتى الفقيه بعدم خمس ما يرثه الابن من أبيه والذي اعتمدت على رواية مهزيار وهو قابل للخطأ والصواب هنا نرجع إلى علم الأصول الذي يؤمن لي الثوابت في قبول مثل هذه الأحكام ويقول إن خبر الثقة حجة فيلزمني طبقا لذلك بمدلول هذا المنطوق الروائي بالحكم, وكذلك بالنسبة إلى القهقهة في أثناء الصلاة , وهناك ثمة رواية عن الإمام الصادق عليه السلام " القهقهة لا تقض الوضوء وتنقض الصلاة " وهذا نص صريح في المراد, فالعرف العام يفهم من النقض إن الصلاة إذا وقعت فيها القهقهة اعتبرت لغوا ووجب استئنافها طبقا لهذه الرواية , وما ذكرناه في  ما سبق نذكره هنا باعتبار أن الأدلة القاطعة في علم الأصول أمنت لي إن خبر الثقة حجة وزرارة ثقة فخبره حجة . إذن لو لاحظتم هنا اشترك عنصران العنصر الخاص والعنصر المشترك العام العنصر الخاص هو عبارة عن رواية يعقوب ورواية ابن مهزيار ورواية زرارة هذا عنصر خاص يعني رواية يعقوب لها دخالة في هذا المورد ,مورد الصوم رواية ابن مهزيار هي في باب الخمس والأموال العامة , أما رواية زرارة إنما هي في الصلاة هذا يسمى بالعنصر الخاص الذي له اختصاص في هذا الباب دون غيره من الأبواب, وهذه مهمة الفقيه الاهتمام بالعنصر الخاص ثم هناك عنصر مشترك في المسألة , والعنصر المشترك هو حجية خبر الثقة فإن هذا العنصر وهو حجية خبر الثقة, دخل في كل باب باب , لم يكن خبر الثقة حجة في باب الصوم دون باب الخمس ودون باب الصلاة وإنما خبر الثقة من الطهارة إلى الحدود والقصاص والديات أينما يكون زرارة في أي باب ,وفي أي فصل من فصول الفقه من أوله إلى آخره نعمل على طبق اخباراته لان العنصر المشترك له تمام  الدخاله في كل الأبواب. هذه هي مهمة الأصولي , فهو يهتم بهذا العنصر المشترك مثل حجية الظهورات, حجية أخبار الثقات و حجية الفهم العرفي العام وغيرها.
نفهم من التعريف الذي ذكره الشهيد الصدر أعلى الله مقامه ما نصه " العلم بالعناصر المشتركة يعني أنه ليس العلم بالعناصر الخاصة "لان العلم بها مهمة الفقيه. أما العلم بالعناصر المشتركة فهو مهمة الأصولي . على هذا الأساس تكون مهمة الأصولي مهمة تاريخية أساسية وانه يجيبنا على أي أساس حكم بحجية الثقة وما هي المواصفات التي يكون فيها صاحب الخبر مقبولا وقوله حجة بالنسبة إلى العرف العام و ما هو مدى سعة مفهوم العرف العام الذي نحتج به في فهمنا للروايات كل ذلك يتكفل بهذا الأمر علم الأصول .الى هنا قد انتهينا من هذا المطلب ثم ننتقل إلى مطلب آخر .
 
موضوع علم الأصول :
 لكل علم موضوع عادة  فالنحو موضوعه الكلمة و الفيزياء موضوعه الطبيعة , إذن كل علم له موضوع يدور حوله ذلك العلم ليكون علما مختصا وهذه قضية عامة لا تكون مختصرة على علم الأصول ولا على علم الفقه وإنما هي مرتبطة بكل العلوم ما من علم إلا وله موضوع خاص به حتى لا تشترك وتتداخل العلوم فيضيع الأساس والقاعدة التي ينطلق منها صاحب العلم .
بالنسبة إلى موضوع علم الأصول بعد التعريف يتضح أنه عبارة عن التخصص في العناصر المشتركة كما إن الفيزيائي يختص بموضوع علم الفيزياء وهو الطبيعة والنحوي يختص بالكلمة من حيث الإعراب والبناء والرفع والخفض وما إلى ذلك .كذلك الأصولي موضوعه دراسة العناصر المشتركة , وإقامة الدليل عليها وإيجاد الجسور فيما بينها .
 إذن على هذا الأساس اتضح إن موضوع علم الأصول هو التخصص في هذه العناصر وهي العناصر العامة المشتركة لا الخاصة التي هي من مهام الفقيه .
 وعلى هذا فإن علم الأصول بالنسبة إلى الفقه , كعلم المنطق بالنسبة إلى الفكر . المنطق هو أساسا عبارة عن آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في الفكر لذا فهي قواعد عاصمة , تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ . وعلم الأصول يؤمن لنا قواعد تكون هذه القواعد بقوة المنطق بالنسبة إلى الفكر , كذلك الفقيه فإنه يحتاج إلى قاعدة تعصمه من الوقوع في الخطأ في مجال التطبيق فكان علم الأصول. ولهذا التعبير الدقيق الذي يُعبر عنه بأن الأصول منطق الفقه , أي القواعد التي يعتصم بها الفقيه من الوقوع في الخطأ في التطبيق .
إذن إلى هنا فقد تبين إن علم الأصول يمثل النظرية أما الفقه فإنه يمثل التطبيق . الأصول يمارس دوره في إيجاد الكليات والفقيه في إيجاد الجزئيات ببركة تلك الكبريات .
 
أهمية علم الأصول في عملية الاستنباط :
عبر السيد الشهيد عن هذا العلم بأنه عصب الحياة في عملية الاستنباط والقوة الموجهة يعني علم الأصول يمثل الشريان الأساسي , والنخاع الشوكي بالنسبة إلى الاستنباط لهذا لابد أن يلاحظ الإنسان بأنه قد يكون الإنسان عارفا في باب النظريات عاجزا في باب التطبيقات , مثاله النجار عنده تصور لكثير من الأشكال مثل المربعات المثلثات المستطيلات بالنسبة إلى نظام النجارة لكنه يفتقد إلى وجود الآلات فإنه والحال هذه لا يمكنه أن يؤدي شيئا لأنه عالم بالنظرية فاقد للأدوات أو يكون واجداً للأدوات فاقداً للنظريات , كالفقيه الذي بيده النصوص ولكن ليس عنده النظريات فلا بد أن يكون الأصول العصب الأساسي مع المزاوجة لعملية التطبيق والممارسة ووجود الأدوات .
 وللشهيد كلمة يقول فيها لا تفهم من كلامي هذا بأن الأمر سهل ويسير بحيث يصبح كل من قرأ هذه العبارات ودرس هذه النظريات فإنه قد صار بمستوى يستطيع أن يطبق تلك النظريات على هذه المصاديق . لنأتي بمثال يوضح هذه الحقيقة لما نأتي إلى رواية ابن مهزيار التي أثبتت لنا بأن الميراث الذي يحتسب ليس فيه الخمس إذا ورث الابن من أبيه مالا فإن الأمر يحتاج مراجعة نص رواية علي بن مهزيار فنستعمل قوة لا يعرفها إلا الحاذق الخبير وهي معرفة العرف العام في أثناء الخطاب وصدور النص, وهذا يحتاج إلى معرفة الشواهد والقرائن.
 إن الإمام سلام الله عليه لما قال بأن من ورث مال أبيه فليس عليه الخمس , هذا النص لابد أن ندرس فيه أهم نقطة, وهي الفهم العرفي العام لمثل هذا الخطاب , وهذا ليس حرفة كل شخص وكل من يدعي المعرفة بأن هذه الرواية أوجبت عدم الخمس . فإنه لابد أن تلاحظ القرائن والشواهد ودراسة للعرف العام في أثناء صدور الخطاب وملاحظة القرائن الأخرى في الأبواب الأخرى, والدراسة الدقيقة للقيود لعل هناك قيداً أو خصوصية معينة أو لعل هذا الحكم صدر في واقعة خاصة .لذا فإن الشهيد يؤكد على أن كل ما تتصورون من أن النظرية إذا وجدت سهُل التطبيق . فمثلا إن عالم الطب قد يكون عارفا بالنظريات الطبية وليس له أدوات أو كانت له أدوات ولكن لم ينزل إلى عالم التطبيق . العلم بالنظريات شيء وممارسة هذه النظريات شيء آخر فإنه لا يكفي علمه بالنظر بل لابد أن يكون له مهارة في تطبيق تلك النظريات على هذا المصداق كما هو شأن الطبيب فإن كثيراً من العالمين بالنظريات الطبية ولكنه عند ممارسته العلاج قد يعجز ولأجل أن يوفق ويمكن من علاجه وتسبيب شفاءه لأن الشفاء كحقيقة مرهونة بالله سبحانه وتعالى " وإذا مرضت فهو يشفين " لذلك إذا استطاع الطبيب فإنه ببركة الممارسة والتي يعبر عنها بالملكة . يقول الشهيد الثاني صاحب اللمعة يشترط مع وضع النظريات العامة أن تكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها هذا هو العمدة في هذا الباب وإنما تلك القوة بيد الله يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده ولكثرة المجاهدة والممارسة .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .