الدرس الثامن : تعريف الحكم الشرعي وتقسيماته,وما يتعلّق ببيان بعض العناصر المشتركة الرئيسيّة الهامّة

اسم النشيد:: الدرس الثامن : تعريف الحكم الشرعي وتقسيماته,وما يتعلّق ببيان بعض العناصر المشتركة الرئيسيّة الهامّة

اسم المنشد : الشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 430

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:43:46

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس الثامن : تعريف الحكم الشرعي وتقسيماته,وما يتعلّق ببيان بعض العناصر المشتركة الرئيسيّة الهامّة

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره 
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس الثامن : تعريف الحكم الشرعي وتقسيماته,وما يتعلّق ببيان بعض العناصر المشتركة الرئيسيّة الهامّة.
الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
تعريف الحكم الشرعي:
عرّف السيّد الشهيد قدّس سرّه الحكم الشرعي: بأنّه التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان. والخطابات الشرعية في الكتاب والسنّة مبرزة للحكم وكاشفة عنه .
وعلى هذا يكون تعريف القدماء للحكم غير تامّ, لأنّهم عرّفوه " الخطاب الشرعي المتعلّق بأفعال المكلّفين " , وذلك لانّ التعبير عن الحكم, بأنّه" الخطاب" غير صحيح باعتبار أنّ الخطاب كاشف عن الحكم هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى ما أفادوه من قولهم" بأفعال المكلّفين" هو الأخر غير صائب, لانّ الحكم الشرعي لا يتعلّق بالأفعال فقط, بل يتعلق بالذوات وكذلك بالصفات والروابط والعلاقات مثل العلاقة البيعيّة, والرابطة الزوجية وغيرهما من أنحاء.ولنا على ما أفاده السيّد الصّدر قدّس سرّه من تعريفه الحكم ملاحظة,وهي أنّ  التعريف قد عالج المشكلة في المقطع الثاني من التعريف,ولكنّ المشكلة تبقى في تعريفه"التشريع الصادر..." والتشريع- كما هو معروف- هو أيضا كاشف عن الحكم وليس هو عين الحكم,ولذا فقد ذكرنا في بحثنا الأصولي في شرح الكفاية,أنّ الحكم هو عبارة عن:وجود اعتباري متعلّق بالأفعال أو الذوات أو الصفات, لأجل مصالح يدركها المعتبر,فلاحظ.
تنويع الحكم الشرعي إلى نوعين:
  النوع الأول:الحكم التكليفي:
وهو الحكم الشرعي المتعلّق بأفعال الإنسان والموجّه لسلوكه مباشرة,في مختلف النواحي العامّة منها والخاصّة,مثل حرمة عقوق الوالدين,وحرمة غصب مال الغير,ووجوب الحجّ والإنفاق على الأرحام,ووجوب العدل على الحاكم وغيره. 
النوع الثاني:الحكم الوضعي:
 وهو الحكم الذي لا يكون موجّها مباشراً للإنسان في أفعاله, ويشرّع وضعا معينا يكون له تأثير غير مباشر, مثل العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة,والعلائق الأخرى في المعاملات والعقود بين الأطراف المتعاملة.
هذا وإنّ الارتباط بين الحكم التكليف والحكم الوضعي ارتباط عميق ولا ينفصلان,  فالزوجية من الأحكام الوضعية التي يترتّب عليها حكم تكليفي,كوجوب التمكين على الزوجة,ووجوب الإنفاق على الزوج.
أقسام الحكم التكليفي:
 الوجوب:وهو الحكم الذي وصل إلى درجة الإلزام, مثل وجوب الصوم والخمس وغيرهما.
الإستحباب:وهو الحكم الذي لم يبلغ درجة الإلزام, مثل استحباب إقامة العزاء على سيّد الشهداء أرواحنا فداه,وصلاة الليل وغيرهما.
الحرمة :هي الزجر عن الشيء بدرجة تلزم الترك لذلك الشيء, مثل لا تشرب الخمر,ولا تغتب أخاك المسلم.
الكراهة :هي الزجر عن الشيء ولكن لا بدرجة توجب الإلزام للترك , مثل النوم بين الطلوعين,وفرقعة الأصابع أثناء الصلاة وغيرهما..
الإباحة :هي عبارة عن أنّ المكلّف في خيار تامّ, له أن يفعل وله أن لا يفعل .  
تنوّع عمليّة الإستنباط:
 إنّ الفقيه عندما يتناول مسألة من المسائل مثل إقامة الصلاة ليستنبط الحكم في هذه المسالة . أوّل شيء يتساءل في البدء عنه هو هل إقامة الصلاة حكمها الشرعي الوجوب أو أنّ حكمها الاستحباب؟ وعلى هذا الأساس إنّ أول بحثه في الدليل, ويلاحظ الأدلة بدقّة حتّى يتعرّف على حكم إقامة الصلاة, هل هو من نوع الواجب أو من نوع المستحب, فإن حصل على الدليل الذي يكشف له عن نوع الحكم الشرعي فإنّه يجيب على ضوء ذلك الدليل, فإنّ الباحث يدور مدار الدليل فإن وجد حكم بموجبه, وإن لم يحصل على الدليل فإنّه يضطرّ إلى الكفّ عن محاولة  اكتشاف للحكم مادام الدليل مفقودا, ولذا فإنّه ينتقل إلى مرحلة ثانية ويبحث عن قاعدة أو أصل يحكم بموجبهما على الموضوع المبحوث عنه, ويحدّد الموقف العملي تجاه هذا الحكم الشرعي المجهول ويصطلح على هذا بالأصول العملية, كالبراءة" كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام.
على هذا الأساس تتنوّع عملية الاستنباط إلى نوعين:
النوع الاوّل:وهو الاستنباط القائم على أساس الدليل.
النوع الثاني:الاستنباط القائم على أساس تعيين الوظيفة العمليّة. من هنا نجد أنّ هناك عنصرا مشتركا يدخل في جميع الأبواب سواء كانت قائمة على أساس الدليل أو على الأصل العملي, وهو حجّية القطع .والمقصود به هو العلم الذي فيه الانكشاف التامّ بحيث لا تقع أيّ شبهة أو شكّ أو احتمال. وتتلخّص حجّية القطع في أمرين, تارة العلم يكون معذّرا, وأخرى يكون منجّزا, فمثلا إذا قطعت بأنّ هذا الشراب هو ماء فشربته على أساس القطع بأنّه ماء, ثمّ تبيّن أنّه خمر,ففي هذه الحالة لا يعاقب على مثل هذا الأمر, لانّ العلم أو القطع حجّة ومعذّر أي يعطي للعبد العذر في أنّه لو قطع بالشيء أنّه حلال, ولكن كان في الواقع حراما فحينئذ لا يؤاخذ هذا العبد بل يعذر لأنه عمل بقطعه وعلمه,وهذا يطلق عليه جانب المعذّرية,والأمر الثاني: وهو تنجّز التكليف على العبد, مثاله ما لو علم بأنّ هذا السائل خمر فشربه حال كونه قاطعا, ففي هذه الحالة يعاقب, لانّ العلم منجّز في مورده, وحينئذ يؤاخذ بترك العمل بالقطع فيحاسب ويعاقب, لذلك فإنّ حجية القطع لها تمام الدخالة في الموارد كلّها, سواء كان في الأدلة أو في الأصول العملية,بل إنّها تدخل في البحث الأصولي عموما.فالقول أنّ خبر الثقة حجّة ونثبت بذلك حجّية الأخبار الواردة عن الثقات, هذه الحجّية أيضا تفتقر إلى العلم واليقين لتكون مبتنية على هذا الأساس,ومن هنا ففي كلّ عملية استنباط لابدّ أن يدخل عنصر حجّية العلم لكي تعطي العملية ثمارها ويخرج منها الفقيه بنتيجة ايجابية, وبهذا أصبحت حجيّة القطع أعمّ العناصر والقواعد المشتركة في الأبواب .وتوصف على أثر ذلك بأنّها أوسع العناصر الأصولية المشتركة نطاقا-كما عبّر السيّد الشهيد- عنها.والمحصّل إنّ هذه الحجيّة تعدّ المرجع الأعلى للفقيه والأصولي معا,بل لا ندّعي جزافا إذا ما قلنا بأنّها المرجع الأساس للعلوم كلّها,وبدونها تصبح الأبحاث لغوا لا طائل تحته,فلاحظ جيّدا.
الدليل على حجّية القطع:
إنّ الإنسان إذا عرف ربّه وآمن به والتزم بأوامره ونواهيه,فإنّه يلزمه على أثر ذلك التقّيد الدائم والعقد الجازم بالطاعة المتمحّضة له تعالى في كلّ الصعد,وهذا الأمر يتأتّى بحكم العقل,فإنّه يلزم العبد بالطاعة,وكذا فإنّه يتحفظ على مراداته على أساس القطع لتكون العبودية ناشئة منه,وعليه فالحاكم بحجيّة القطع هو العقل.ومن هنا لا يمكن للمولى ردع القاطع لاستلزامه التناقض المحال.
قد يعترض معترض قائلا:لو كان المكلّف مبتليا بعقيدة باطلة كأن يكون قاطعا بحليّة شرب الخمر مثلا فإنّه والحالة هذه ليس للمولى ردعه.
فإنّا نجيبه صحيح إنّ المولى ليس له الردع لقطعه بما هو قطع,ولكنّه له أن يبرهن على غلطه في مقدّماته بإخباره أنّ هذا السائل ليس مباحا,فيزلزل ما كان مبنيّا عليه,وبذلك يرفع موضوع القطع أو مقدّمته ويردّه إلى الصواب.
هناك مورد آخر بالنسبة إلى العناصر المشتركة,فإنّ الفقيه عند استنباطه الحكم الشرعي يقيم الدليل على ذلك الحكم,ودليله يستمدّ المشروعية من اعتماده على حجّية القطع,هذه العملية يطلق عليها بالدليل التامّ.ولا نقاش فيه بين الأصوليين,لكنه يوجد شئ آخر وهو الدليل الناقص مثل خبر الثقة,باعتباره خبرا قد يخطأ الثقة في نقله وقد يصيب,غاية الأمر,إنّ الشارع قد عبّدنا بقبول خبر الثقة,ففي هذه الحالة إذا لم يحكم الشارع بحجّية الدليل الناقص فإنّه لا يجوز التعويل عليه,كالظّنون التي لم يرد في موردها نصّ بالقبول.وحينئذ يتمّ الرجوع إلى الأصول العملية.
وعلى ما بيّنا فإنّ الدليل في المسألة الفقهية سواء كان قطعيّا أو لم يكن فإنّه على ثلاثة أقسام:
أولا: الدليل اللفظي, وهو الدليل المستمد من كلام المولى عزّ وجلّ,أو كلام المعصوم عليه السلام,مثل قوله تعالى"وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها"فيستدل على وجوب الردّ.
ثانيا:الدليل البرهاني,وهو الدليل المستمد من قانون عقلي عامّ,مثل ما إذا وجب الشئ وجبت مقدّماته,فإذا قال المولى اصعد إلى السطح فإنّه بحكم العقل يجب إعداد السّلم لغرض تحقيق المراد بالكون على السطح.
ثالثا:الدليل الاستقرائي,وهو الدليل المستفاد من تتبّع حالات كثيرة,مثل ملاحظة سيرة الأستاذ في مجلسه الخاصّ,فإنّه كلّما دخل عليه طالب العلم قام له,فيحكم المتتبّع لسيرة أستاذه بالقيام-إكراما- إلى طالب العلم فيما إذا دخل عليه شخص منهم,نقل عن الإمام زين العابدين ومصباح المتهجّدين,إنّه كلّما دخل عليه طالب علم قام له ويقول:مرحبا بوصية رسول الله صلّى الله عليه واله.
والحاصل:إنّ كلاّ من هذه الأدلة له نظامه الخاصّ,ومنهجه المتميّز,وعناصره المشتركة,وعليه فسوف تكون الدراسة مسلّطة على كلّ واحدة منها,وعلى عناصره المشتركة,
هذا ما أردنا بإذن الله بيانه,والحمد لله والصّلاة والسّلام على حقيقة العلم, وعلم الحقيقة محمّد واله الميامين صلاة تامّة عدد ما في علمه ودوام ملكه