الدرس التاسع: الدليل اللفظي وارتباطه الوثيق بالنّظام اللغوي العامّ.

اسم النشيد:: الدرس التاسع: الدليل اللفظي وارتباطه الوثيق بالنّظام اللغوي العامّ.

اسم المنشد : لشيخ عبدالكريم العقيلي

اسم التصنيف: الدروس الكتابية >> الاصول >> الاصول

عدد الزوار : 452

تاريخ الاضافة: 2022-02-23 00:45:19

مشاركة الملف التعريفي:

الدرس التاسع: الدليل اللفظي وارتباطه الوثيق بالنّظام اللغوي العامّ.

بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره 
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس التاسع: الدليل اللفظي وارتباطه الوثيق بالنّظام اللغوي العامّ.
الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
دراسة إجماليّة لطبيعة الدلالة اللغويّة وما يتعلّق بها:
يعدّ الدليل اللفظي الجوهر الأساس والمفصل الهامّ في مقام الاستدلال لإستنباط الحكم الشرعي,الأمر الذي يقتضي بسط الكلام في ميدان اللفظ في لغة العرب التي نزل بها الخطاب الإلهي في القران الكريم,قال الحقّ تعالى"إنّا أنزلناه قرانا عربيّا لعلّكم تعقلون"من حيث الوضع والعلاقة اللغويّة والنظريّات التي ظهرت لبيان الارتباط بين اللفظ والمعنى وما إلى ذلك,فنقول وبالله المستعان:
إنّ الدلالة بين تصوّر اللفظ والمعنى نجدها في كلّ اللغات عند التخاطب والتفاهم,فمثلا كلمة "الماء"عند تصوّرها يتصوّر العارف باللغة العربية بلا فصل ذلك السائل الخاص,وهذا ما يطلق عليه اسم "الدلالة"وحينئذ يكون اللفظ"دالاّ" والمعنى"مدلولا",وهذه العلاقة تشابه إلى حدّ ما العلاقات فيما بين النّار والحرارة,وطلوع الشمس والضياء.غاية الأمر:أنّ العلاقة بين تصوّر اللفظ والمعنى محلّها الذهن,لأنّ تصوّرهما إنّما يوجد في الذهن, والعلاقة بين النّار والحرارة, والشمس والضياء محلّها الوجود الخارجي.
والسؤال الذي يطرح في هذا المضمار هو أنّه كيف نشأت هذه العلاقة بين تصوّر اللفظ والمعنى مع أنّهما شيئان متباينان؟
ذكر في مقام الجواب اتّجاهان:
الاتّجاه الأوّل:
 يرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ طبيعة العلاقة بين الألفاظ والمعاني ذاتيّة غير مكتسبة من سبب خارجي,كيفما كان.بتقريب:أنّ علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته,كما هي العلاقة بين النّار والحرارة,فإنّ طبيعة النّار بذاتها دلّت على الحرارة.
لكن ما أفيد كما ترى,وذلك لأنّ هذا الاتجاه عاجز عن تفسير هذه العلاقة الذاتية القائمة على أساس العلّة والمعلول والسبب والمسبّب,فيما إذا أطلق لفظ ما "كالماء" فإنّه لا يدرك معناه إلا العربيّ العارف بالارتباط بين الألفاظ والمعاني,وعلى هذا فإنّ غير العربي يحتاج إلى تعلّم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماعه اللفظ.وهذا يفسّر لنا أنّ العلاقة بينهما ليس العلاقة الذاتية غير المكتسبة, بل هي ناشئة من سبب آخر,يتطلّب الحصول عليه إلى تعلّّم اللغة.
الاتّجاه الثاني :
يتبنّى هذا الاتّجاه مبنى"التخصيص" على أساس أنّ هناك واضعا مارس دور التخصيص عند إطلاقه اللفظ  في المعنى المخصّص,وهذا الواضع: هو عبارة عن أشخاص سبقوا إلى هذا الميدان وابتكروا هذه الخصوصية في مقام التخاطب ولذا يطلق عليه اسم"الواضع",ودلالة ذلك التخصيص ب"الوضع" واللفظ "الموضوع" والمعنى"الموضوع له" ولكنّ السيّد الشهيد أفاد في معرض بيانه الدقيق ما نصّه":
و الحقيقة أنّ هذا الاتجاه وإن كان على حقّ في إنكاره للدلالة الذاتية, ولكنّه لم يتقدّم إلا خطوة قصيرة في حلّ المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة حتّى بعد الفرضيّة التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه.فنحن إذا افترضنا معهم أنّ علاقة السببيّة نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسّسو اللغة إذ خصّصوا كلّ لفظ لمعنى خاصّ فلنا أن نتساءل ما هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسّسون؟ و سوف نجد أنّ المشكلة لا تزال قائمة لأنّ اللفظ و المعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتيّة ولا أيّ ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسّس اللغة أن يوجد علاقة السببيّة بين شيئين لا علاقة بينهما, و هل يكفي مجرّد تخصيص المؤسّس للفظ و تعيينه له سببا لتصور المعنى حقيقة, و كلنّا نعلم أنّ المؤسّس وأيّ شخص آخر يعجز أن يجعل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء و لو كرّره مئة مرّة قائلا خصّصت حمرة الحبر ألذي أكتب به لكي يكون سبب لحرارة الماء, فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرّد تخصيصه لذلك دون أيّ علاقة سابقة بين اللفظ و المعنى.وهكذا نواجه المشكلة كما كنّا نواجهها, فليس يكفي لحلّها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسّس اللغة, بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة.
والصحيح في حلّ المشكلة: أنّ علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ و المعنى توجد وفقا لقانون عامّ من قوانين الذهن البشري.والقانون العامّ: هو أنّ كلّ شيئين إذا اقترن تصوّر أحدهما مع تصوّر الأخر في ذهن الإنسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصوّر آخر.ومثال ذلك في حياتنا الاعتياديّة أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا, فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصوّر الصديق الأخر, لأنّ رؤيتهما معا مرارا كثيرة أوجد علاقة بينهما في تصوّرنا, وهذه العلاقة تجعل تصوّرنا لأحدهما سببا لتصوّر الآخر, ومثال آخر من تجارب الفقهاء أنّا قد نجد راويا يقترن اسمه دائما باسم راو آخر معيّن كالنوفلي الذي يروي دائما عن السكوني, فكلّما وجدنا في الأحاديث اسم النوفلي وجدنا إلى صفّه اسم السكوني أيضا, فتنشأ بسبب ذلك علاقة بين هذين الاسمين في ذهننا, فإذا تصوّرنا بعد ذلك النوفلي أو وجدنا اسمه مكتوبا في ورقة قفز ذهننا فورا إلى السكوني نتيجة لذلك الاقتران المتكرر بين الأسمين في مطالعاتنا.
....ويبقى علينا أن نتساءل: كيف اقترن تصوّر اللفظ بمعنى خاصّ مرارا كثيرة أو في ظرف مؤثّر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟
فنحن نعلم مثلا أنّ اسم السكوني واسم النوفلي اقترنا مرارا عديدة في مطالعاتنا للروايات, لأنّ النوفلي يروي دائما عن السكوني فكنّا نجد السكوني إلى جانبه كلّما وجدنا اسمه فقامت علاقة بينهما,فما هي الأسباب التي جعلت اللفظ يقترن بالمعنى كما اقترن اسم النوفلي باسم السكوني أو كما اقترنت فكرة الملاريا بفكرة المدينة في ذهن الشخص الذي أصيب بها حال سفره إلى المدينة؟
و الجواب على هذا السؤال :إن بعض الألفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية, فنشأت بينهما العلاقة اللغوية و قد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذ كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلّما أحسّ بالألم, فارتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الألم, فأصبح كلما سمع كلمة (آه) انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.....
بيان المراد من الاستعمال:
إنّ العلاقة الوثيقة بين اللفظ والمعنى تجعل من اللافظ بها الانتقال إلى المعنى في ذهن المخاطب,بحكم السببية بينهما,وحينئذ يسمّى هذا النوع من الاستخدام بقصد إخطار المعنى"استعمالا", واللفظ ب "المستعمل" والمعنى "المستعمل فيه", وإرادة المستعمل إخطار المعنى في ذهن السامع بواسطة اللفظ"الإرادة الاستعماليّة".
ما هي الحقيقة والمجاز في اللغة:
ننتقل إلى قضية مهمّة وهي الاستعمال في اللغة العربية من حيث الحقيقة والمجاز.
فما المراد بالحقيقة وما المراد بالمجاز؟ الحقيقة: هي استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له .ولهذا يطلق على المعنى الموضوع له"المعنى الحقيقي".والجدير ذكره أنّ إطلاق اللفظ في اللغة العربية يحمل على المعنى الحقيقي إلا إذا كان هناك قرينة صارفة كما هو في المجاز.
المجاز: هو استعمال اللفظ في معنى آخر لم يوضع له لكنه يشابه ببعض الاعتبارات المعنى الذي وضع له اللفظ, مثلا عندما تقول عليّ أسد الله, المقصود هنا بالأسدية أي الصفة التي التقت بين المشبّه والمشبّه به وهي الشجاعة. مرّة تقول رأيت أسداً وتسكت, وأخرى تقول رأيت أسداً يرمي,ففي الجملة الأولى " رأيت أسدا " هذا إطلاق اللفظ , وإرادة المعنى الموضوع له حقيقة , لأنّ الأسد إنّما وضع على هذا الحيوان الخاصّ .
وأمّا الجملة الثانية, رأيت أسدا يرمي هذا إطلاق مجازي لأنّ الأسد ليس موضوعا للرامي, وإنّما استخدام كلمة الأسد لهذا الشخص لوجود صفة جمعت بين ذلك المشبّه به وبين المشبّه , أي بين الإنسان وبين الأسد,وهي الشجاعة كما بيّنا.
انقلاب  المجاز إلى الحقيقة:
طرح الشهيد الصدر طاب ثراه مسألة مهمّة,وهي أنّه قد ينقلب المجاز إلى الحقيقة مثلا الصلاة يراد بها الدعاء لغة,ثمّ استعملت في الهيئة الخاصّة في الصّلاة التي أوّلها التكبير وآخرها التسليم, ولكن مع مرور الزمن تحوّل مفهوم الصلاة إلى الهيئة الخاصّة وهي التكبير والركوع والسجود والتسليم, هنا تحوّل المجاز إلى الحقيقة.ويطلق عليها" الحقيقة الشرعية". إذن نتيجة استعمال اللفظ في المعنى المجازي مرارا اقترن تصوّر اللفظ بتصوّر ذلك المعنى المجازي في ذهن السامع اقترانا متكررا وأدّى هذا الاقتران المتكرّر إلى قيام العلاقة اللغوية بينهما كما قامت العلاقة بين النوفلي والسكوني,وهذا ما لاحظه الأصوليون من أنّ كثرة الاستعمال توجب علاقة جديدة بين اللفظ والمعنى,وبذلك يصبح المعنى هو المقصود ويخرج عن المجاز إلى الحقيقة من غير حاجة إلى القرينة,فلاحظ.
والحمد لله رب العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين صلاة عدد ما في علمه ودوام ملكه .