بسم الله الرحمن الرحيم
علم الأصول
شرح سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم العقيلي دام ظله لحلقات السيد الشهيد آية الله العظمى الصدر قدس سره
جمع وتنظيم : الأستاذ علي بوصخر
الدرس العاشر : أبحاث في الدليل اللفظي الرئيسي - تصنيف اللغة والروابط والنسب فيها.
الحمد لله والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمّد وآله آل الله .
ثمّة أبحاث واسعة في مجال الألفاظ التي يعتمد الفقيه على فهمها في عملية استنباط الأحكام الشرعيّة, فاللغة العربية تصنّف وتقسّم كلماتها إلى اسم, وفعل, وحرف . ولتقريب الفكرة نمثّل بمثال, وهو أنّه قد ورد في النصوص المستفيضة ما مضمونه:"تقبل الأعمال بالولاية" فإنّ هذه الجملة قد اشتملت على اسم,وفعل,وحرف,فكلمة كلّ من"الأعمال والولاية" من الأسماء,وكلمة"الباء"من حروف الجرّ,وكلمة"تقبل" فعل من أفعال المضارع.
وعندما ندرس هذه المفردات بشيء من الدقّة نجد أنّ كلّ واحدة منها تدلّ على معنى خاص بها,فكلمة الأعمال تحتفظ بمعناها الخاص بها أي العمل, وكذلك كلمة الولاية فإنّها تدلّ أيضا على معنى خاصّ بها, سواء كانت جزء من الجملة أو منفصلة عنها,وأمّا كلمة "الباء" فإنّها تفقد معناها إذا جرّدناها عن الجملة ولاحظناها منفردة,فقولي "الباء" مجرّد لفظ منفرد لا يفيد معنى ما,إلاّ إذا كانت داخلة في جملة ما.بينما إذا كانت في سياق جملة مثل قولك"اسحب الدابّة بالحبل" فإنّه في مثل هذا المقام لها دلالة خاصّة,وهي الربط بين الدابّة والحبل.وهذا يعني أنّ معنى الحرف هو الربط بين معاني الأسماء, وكذلك فإنّه يعبّر عن العلاقة و نوع الرابطة بين الدابّة وبين الحبل,وهكذا سائر الحروف فيما كانت في سياق جملة فإنّها تعبّر عن نوع من الدلالة والروابط. إذن يتّضح ممّا ذكرنا أنّ كلّ معنى يمكن تصوّره وتحديده بدون حاجة إلى وقوعه في سياق جملة يعتبر معنى اسميّا, مثلا كلمة الإسلام تدلّ على معنى, وكلّ رابط لا يمكن تصوّره إلاّ في سياق جملة, مثل حروف الجرّ إذا لم تكن في جملة, يطلق عليها "المعاني الحرفية".
هنا بحث آخر: وهو أنّ الفعل مثل كلمة " تقبل " يشتمل على معنى كلمة "القبول", فحين سماع كلمة القبول فإنا نتصوّرها من كلمة تقبل, ومن هنا نعرف أنّ كلمة تقبل وهي الفعل, تشتمل على معنى اسمي وكذلك على معنى حرفي,وهو الرابط بين القبول والأعمال في قولنا"تقبل الأعمال بالولاية" وذلك لو دلّت على المعنى الاسمي فقط, لصحّ القول " الأعمال قبول بالولاية"وبهذا تكون الجملة مفكّكة, وعليه لابدّ أن تدلّ هذه أيضا على أنّ الفعل يشمل على معنى حرفي مضافا على المعنى الاسمي .
ونستخلص من ذلك أنّ الفعل يكون مركّبا من اسم وفعل ,على خلاف القواعد النحوية وهذا يعني أنّ الأصولي غير مقيّد بقواعد النحو, وذلك لأنّ المدرسة الأصولية لها مصطلحاتها وقواعدها الخاصّة في هذا العلم. نعم إنّه يستفيد من قواعد هذا العلم, ولكن هذا لا يمنع أن يكون متطوّرا نوعا ما في علم الأصول فيكون استخدام الفعل للدلالة على الحدث سواء كان ماضيا أو مضارعا أو مستقبلا أو بنحو إنشاء الطلب, وهذا من إبداعات ومبتكرات علماء الأصول,بتقريب أنّ الفعل يشتمل على معنى اسمي استقلالي, وعلى معنى حرفي ارتباطي . فالفعل يدل على المعنى الاسمي بمادّته مثل القبول, له معنى اسمي استخرج من الفعل ويدلّ على المعنى الحرفي بهيئته,وبهذا الصدد ينبغي بيان المقصود من المادّة والهيئة .
أمّا المادّة : فهي الأصل الذي أُشتق الفعل منه مثلا , كلمة "القبول" التي اشتقّ منها الفعل,وهذا ما يطلق عليه"المعنى الاسمي".
وأمّا الهيئة : فهي الصيغة الخاصة التي صيغت بها المادّة , مثلا صيغة "يفعل" تدلّ على المضارع , وصيغة "فعل" تدلّ على الماضي , وهذه الصيغة تدلّ على المعنى الحرفي. هذا المعنى الحرفي يربط بين معنى المادّة ومعنى آخر في الجملة مثلا في هذه الجملة " تهتدي الإنسانية بالإسلام " هنا نلاحظ أنّ كلمة تهتدي ربطت بين الاهتداء والإنسانية ,أي بين مادّة الفعل والفاعل .نضرب مثالا آخر ليتّضح المقصود تماما , قولنا " عليّ إمام " هنا عليّ مبتدأ, وإمام خبر, لو نأخذ فقط كلمة " عليّ " فهي لا تدلّ إلا على معناها أي الاسم الذي هو عَلَم على أمير المؤمنين عليه السلام , بينما كلمة " إمام " تدلّ على المعنى الخاصّ بها, وهو الإمام أي المقتدى و الوليّ. إذن الهيئة بين كلمة عليّ, وكلمة إمام, تسمى هيئة الجملة وهذه الهيئة هي المعنى الحرفي, ولو لم يكن هناك عليّ وإمام ما كانت هذه الهيئة.وعلى ما سبق فإنّه يمكن تصنيف اللغة بحسب التحليل إلى فئتين:
الفئة الأولى : المعاني الاسمية وتشتمل على كلّ من الأسماء , وموادّ الأفعال .
الفئة الثانية : المعاني الحرفية و تشتمل على كلّ من الحروف , وهيئات الأفعال مثل فعل , يفعل , افعل , و هيئات الجمل مثل " عليّ إمام " .
الرابطة في اللغة:
إنّ الرابطة على قسمين ,تارة تكون الرابطة تامّة, وأخرى تكون الرابطة ناقصة .
الرابطة التامّة:إذا لاحظنا التركيب الخاصّ لهذه الجملة مثل قوله عليه السلام"لم يناد بشيء كما نودي بالولاية" فإنّنا نجد هذه الجملة الشريفة دالّة على معنى مكتمل,يمكن للمتكلّم الإخبار عنه,ويمكن للسامع الاعتقاد به أو عدم الاعتقاد به.
الرابطة الناقصة :فإنّا إذا لاحظنا هذه الجملة المقطوعة"لم يناد بشيء" نجد أنّها ناقصة, لا يمكن للمتكلّم الوقوف عندها والاكتفاء بها, ولا السامع أن يبني عليها ويرتّب الأثر نفيا أو إثباتا.
ومردّ الفرق بين الفئتين إلى نوع الربط الذي تدلّ عليه هيئة الجملة, ونرى أنّ نوع الربط في الهيئة الاولى تختلف عن نوع الربط في الهيئة الثانية, وعلى هذا الأساس يكون الرابط مرة تامّا وأخرى ناقصا .
هناك إطلاق آخر: وهو إطلاق النسبة التامّة والنسبة الناقصة عليهما, وإذا دقّقنا في أكثر الجمل نجد فيها أكثر من معنى حرفي واحد, في الجملة الأولى نجد المعنى الحرفي التي تدلّ عليه هيئة الجملة وهو الربط بين المبتدأ والخبر ونجد أيضا المعنى الحرفي الذي يدلّ عليه حرف الباء وهو الربط بين القبول والولاية, غير أنّ الجملة إنّما أصبحت تامّة نتيجة للربط الأول الذي دلّت عليه هيئة الجملة دون الربط الذي دلّت عليه الجملة المقطوعة. ومن هنا نقول إنّه إذا احتفظنا بالربط الثاني دون الربط الأول أصبحت الجملة ناقصة مثل الجملة التالية "لم يناد بشيء" عندما نضيف على الجملة "كما نودي بالولاية " هنا الجملة تدلّ على النسبة والربط التامّ. ولذلك فإنّ هيئة الجملة تدلّ على النسبة التامّة دون الحرف, وأمّا الحروف فدائما تدلّ على النسبة الناقصة ولهذا يمكن أن نقول أنّ هيئات الجمل هي التي تدلّ على النسبة التامّة, بينما الحروف دائما تدلّ على النسبة الناقصة لأنّ الحرف لا يربط ربطا تامّا ما لم تكن هناك هيئة .
والحاصل,إنّ الحروف تدلّ دائما على النسبة الناقصة,وأمّا الهيئات فهي في أحيان تدلّ على النسبة التامّة كما في الجمل المفيدة, الاسمية والفعلية,وأحيانا تدلّ على النسبة الناقصة كما في الجملة الوصفية,مثل قولك" عليّ المرتضى" دون بيان الإخبار عنه.
هذا ما أردنا بيانه في هذا المجلس من البحث ,وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين صلاة تامّة عدد ما في علمه ودوام ملكه.